/م246
قال تعالى:{ ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى} تقدم الكلام على هذا الضرب من الاستفهام في تفسير القصة السابقة لهذهوالملأ القوم يجتمعون للتشاور ، لا واحد له ، قاله البيضاوي وغيره .وقال غيرهم:الملأ الأشراف من الناس وهو اسم للجماعة كالقوم والرهط والجيش ، وجمعه أملاء ، سموا ملأ لأنهم يملؤون العيون رواء والقلوب هيبة:{ إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} وهذا النبي لم يسمه القرآن ، وقال الجلال هو شمويل وهذا أقوى أقوال المفسرين وهو معرب صمويل أو صموئيل ، وقيل إنه يوشع ، وهذا من الجهل بالتاريخ فإن يوشع هو فتى موسى ، والقصة حدثت في زمن داود والزمن بينهما بعيد ، وبعث الملك عبارة عن إقامته وتوليته عليهم .
{ قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} قرأ نافع وحده ( عسيتم ) بكسر السين وهي لغة غير مشهورة ، والباقون بفتحها وهي اللغة المشهورة .والمعنى هل قاربتم أن تحجموا عن القتال إن هو كتب عليكم ؟ فعسى للمقاربة أو للتوقع:{ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} أي ، أي داع لنا يدعونا إلى أن لا نقاتل وقد وجد سبب القتال ، وهو إخراجنا من ديارنا بإجلاء العدو إيانا عنها ، وأفردنا عن أولادنا بسبيه إياهم واستعباده لهم .{ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم} ذلك أن الأمم إذا قهرها العدو ونكل بها يفسد بأسها ، ويغلب عليها الجبن والمهانة .فإذا أراد الله تعالى إحياءها بعد موتها ينفخ روح الشجاعة والإقدام في خيارها وهم الأقلون ، فيعملون ما لا يعمل الأكثرون ، كما علمت من تفسير قوله تعالى:{ ثم أحياهم} وما هو منك ببعيد ، ولم يكن هؤلاء القوم قد استعد منهم للحياة إلا القليل .
قال الأستاذ الإمام:وفي الآية من الفوائد الاجتماعية أن الأمم التي تفسد أخلاقها وتضعف قد تفكر في المدافعة عند الحاجة إليها وتعزم على القيام بها إذا توفرت شرائطها التي يتخيلونها على حد قول الشاعر:
وإذا ما خلا الجبان بأرض *** طلب الطعن وحده والنزالا
ثم إذا توفرت الشروط يضعفون ويجبنون ، ويزعمون أنها غير كافية ليعذروا أنفسهم وما هم بمعذورين .{ والله عليم بالظالمين} الذين يظلمون أنفسهم وأمتهم بترك الجهاد دفاعا عنها وحفاظا لحقها ، فهو يجزيهم وصفهم ، فيكونون في الدنيا أذلاء مستضعفين ، وفي الآخرة أشقياء معذبين .
/خ252