( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ) قالوا إن الآية تكرير للتأكيد وتعميم للكفرة بعد تخصيص من نافق من المتخلفين عن القتال أو المرتدين من الأعراب .وقال الأستاذ الإمام:أعاد المعنى وعممه وأكده بهذه الآية ، هو في بادي الرأي تكرار ليس فيه زيادة فائدة ، ومن فقه الآيتين علم أن تلك في المسارعين في الكفر وهذه في الذين اشتروا الكفر بالإيمان ، أي اختاروه ورضوا به كما يرضى المشتري أن يرى ما أخده أنفع له مما بذله ، فهذا الوصف أعم من الأول .كأنه يقول إن أولئك الكفار الذين تراهم يسارعون في نصرة الكفر وتعزيزه والدفاع دونه ومقاومة المؤمنين لأجله لا شأن لهم ، ولا يستحقون أن تهتم بأمرهم ، فإنهم إنما يحاربون الله ويغالبونه والله غالب على أمره ، فلا يقدر أحد على ضره ، ثم لا ينبغي أن تحزن عليهم أيضا لأنهم محرومون من رضوان الله .فلما بين هذا كان مما يمكن أن يخطر في البال أنه حكم خاص بالذين يسارعون في الكفر فبين في هذه الآية أنه عام يشمل كل من آثر الكفر على الإيمان فاستبدله به .ففي إعادة العبارة بهذا الأسلوب فائدتان:إحداهما أن فيها قسما من الكافرين لم يذكروا في الآية الأولى ، والثانية أن فيها مع تأكيد عدم إضرارهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بيانا لحال من أحوالهم يدل على سخافتهم وضعف عقولهم إذ رضوا بالكفر واختاروه وحسبوه منفعة وفائدة ، فكأنه يقول:إن هؤلاء لا قيمة لهم فيخاف منهم أو يحزن عليهم .
قال:وقد يعرض لبعض الأفكار وهم في هذا المقام ، ويجول فيها صورة ما يتمتعون به من اللذات والقوة ، وإمكان نيلهم من المؤمنين إذا أذنبوا كما نالوا منهم يوم أحد بذنبهم وتقصيرهم ، فيقول الواهم:آمنا وصدقنا أن هؤلاء سيعذبون في الآخرة ولا يكون لهم نصيب من نعيمها ؛ ولكن أليسوا الآن متمتعين بالدنيا ؟ أليس لهم فيها من القوة ما تمكنهم من الاعتداء علينا ؟ وقد كشف هذا الوهم قوله تعالى:( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين )
/خ178