( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم* إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم *ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين* ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله ، وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) .
لما كان ما كان من فوز المشركين في أحد وما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ، أظهر بعض المنافقين كفرهم وقالوا لو كان محمدا نبيا ما قتل وغير ذلك مما سبق نقل بعضه ، وما سارع هؤلاء في إظهار ما يسرون من الكفر وتثبيط المؤمنين عن نصر الإيمان إلا لظنهم أن المسلمين قد قضي عليهم ، وقد كان هذا مما يحزن النبي صلى الله عليه وسلم فكان من تسلية التنزيل له في هذا السياق قوله عز وجل:
( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) كما كان يسليه عما يحزنه من إعراض الكافرين عن الإيمان أو طعنهم في القرآن ، أو في شخصه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى:( ولا يحزنك قولهم ، إن العزة لله جميعا ) [ يونس 65] وقوله:( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) [ الكهف:6] وقوله:( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) [ فاطر:8] أو المراد من السياق تسليته صلى الله عليه وسلم عما ساءه وحزنه من اهتمام المشركين بنصرة شركهم ومعاودتهم للقتال بعد أحد في حمراء الأسد أو بدر الصغرى لولا خذلان الله لهم .
وقد روي القول بتفسير الذين يسارعون في الكفر بالمنافقين عن مجاهد وكذا قال في الذين اشتروا الكفر بالإيمان في الآية التالية لهذه الآية وقيل هم المرتدون خاصة .وروي عن الحسن أن الذين يسارعون في الكفر هم الكفار قالوا المسارعة فيه هي الوقوع فيه سريعا .وقال الأستاذ الإمام:المسارعة في الكفر هي المسارعة في نصرته والاهتمام بشؤونه والإيجاف في مقاومة المؤمنين ، وما كل كافر يسارع في الكفر فإن من الكافرين القاعد الذي لا يتحرك لنصرة كفره ولا لمقاومة المخالف له فيه .والمسارعون المعنيون هنا هم أولئك النفر من المشركين كأبي سفيان ومن كان معه من صناديد قريش ، وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بهم المنافقون ورووا في ذلك روايات في سبب النزول .وإنما يأتي هذا لو قال: "يسارعون إلى الكفر ".
( إنهم لن يضروا الله شيئا ) أي إنهم لا يحاربونك فيضروك بذلك وإنما يحاربون الله تعالى ولا شك في ضعف قوتهم وعجزها عن مناوأة قوته عز وجل فهم لا يضرون بذلك إلا أنفسهم .أقول:وقد بين هذا بقوله ( يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ) أي إنهم على حالة من فساد الفطرة تقتضي حرمانهم من نعيم الآخرة بسنة الله وإرادته فلا نصيب لهم فيها ( ولهم عذاب عظيم ) فوق عذاب الحرمان من نعيمها ولم يقيد هذا العذاب بكونه في الآخرة فهو أعم كما هو ثابت وقوعا ونقلا بمثل قوله تعالى في المنافقين:( سنعذبهم مرتين ) [ التوبة:101] فقوله:( إنهم لن يضروا الله ) تعليل للنهي عن الحزن وقوله:( يريد الله ) الخ بيان لكونهم يضرون أنفسهم ولا يضرونه تعالى ، وجعله الأستاذ الإمام تعليلا آخر ، إذ قال ما مثاله:فإن كنت تحزن عليهم رحمة بهم وشفقة عليهم لأن النور بين أيديهم وهم لا يبصرون ، والهداية قد أهديت إليهم وهم لا يقبلون ، وتطمع في هدايتهم وترجوها وكلما رأيت منهم حركة جديدة في الكفر ، حدث لك حزن جديد- فعليك ألا تحزن أيضا .
هذا ما عندي عن الأستاذ الإمام وتركت بياضا في دفتر المذكرات عنه لأتم فيه ما قاله ثم نسيته ، ولعل معناه أن هؤلاء ممن طبع الله على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم فلم يبق في نفوسهم استعداد ما للإيمان فلا مساغ للحزن من حالهم .ولكن هذا لا ينطبق إلا على من ماتوا على الكفر .فالأظهر أن الآية في مردة المنافقين وإلا فهي في مجموع من كان مع أبي سفيان لا جميعهم .
والقول الأول أشد اتفاقا مع قوله تعالى:( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم )
/خ178