{ ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا} قال الأستاذ الإمام:ذهب بعض المفسرين إلى أن المشار إليه في قوله{ ذلك} كل ما تقدم النهي عنه من أول السورة إلى الآية السابقة ، وقال ابن جرير إن المشار إليه هو ما نهي عنه من قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} إلى هنا وذلك أن المنهيات التي قبل تلك الآية قد اقترنت بالوعيد عليها على حسب سنة القرآن ولكن هذه المنهيات الأخيرة لم يوعد عليها بشيء وإن وصفت بالقبح الذي يترتب عليه الوعيدوهي النهي عن إرث النساء كرها وعن عضلهن لأخذ شيء من مالهن وعن نكاح ما نكح الآباء في الجاهلية ، وعن أكل أموال الناس بالباطل وعن القتلوقال بعضهم إن المشار إليه في هذه الآية هو القتل فقط وقد قصر كل التقصير وأكثر المفسرين على أن المراد بذلك ما في الآية الأخيرة من النهي عن أكل أموال الناس بالباطل وعن القتل وهذا هو المعقول المقبول ، فإن ما قبلها من المنهيات التي لم تقترن بالوعيد قد اقترنت بالوصف الدال عليه .
قال:والعدوان هو التعدي على الحق فكأنه قال بغير حق ، وهو يتعلق بالقصد فمعناه أن يتعمد الفاعل إتيان الفعل وهو يعلم أنه قد تعدى الحق وجاوزه إلى الباطل ، والظلم يتعلق بالفعل نفسه بأن كان المتعدي لم يتحر ويجتهد في استبانة ما يحل له منه فيفعل ما لا يحل ، والوعيد مقرون بالأمرين معا وهما أن يقصد الفاعل العدوان وأن يكون فعله ظلما في الواقع ونفس الأمر ، فإذا وجد أحدهما دون الآخر لا يستحق هذا الوعيد الشديد .مثال تحقق العدوان دون الظلم أن يقتل الإنسان رجلا يقصد الاعتداء عليه ثم يظهر له أنه كان راصدا له يريد قتله ولو لم يسبقه لقتله ، أو أنه كان قتل من له ولاية دمه كأصله أو فرعه ، فههنا لم يتحقق الظلم وأما العدوان فواقع لا محالة ، ومثال تحقق الظلم فقط أن يسلب امرؤ مال آخر ظانا أنه ماله الذي كان سرقه أو اغتصبه منه ثم يتبين له أن المال ليس ماله وأنه لم يكن هو الذي أخذ ماله ، وأن يقتل رجلا رآه هاجما عليه فظن أنه صائل يريد قتله ثم يتبين له خطأ ظنه ، فههنا تحقق الظلم ولكن لم يتحقق العدوان .
أقول وقد يعاقب الإنسان على بعض الصور التي لا تجمع بين العدوان والظلم معا لتقصيره في استبانة الحق ولكن عقاب من يجمع بينهما وإصلاؤه النار إدخاله فيها وإحراقه بها ، وأصله من الصلي وهو القرب من النار للاستدفاء .قال الراجز:
يقعي جلوس البدوي المصطلي
أي المستدفئ وتتمة هذا البحث اللغوي في تفسير الآية التاسعة من هذه السورة ( ج 4 تفسير ) .
{ وكان ذلك على الله يسيرا} أي إن ذلك الوعيد البعيد شأوه ، الشديد وقعه ، يسير على الله غير عسير ، وقريب من العادين الظالمين غير بعيد ، لأن سنته قد مضت بأن يكون العدوان والظلم مدنسا للنفوس مدسّيا لها بحيث يهبط بها في الآخرة ، ويرديها في الهاوية ، وقال الأستاذ الإمام:إن معنى كونه يسيرا على الله تعالى هو أن حلمه في الدنيا على المعتدين الظالمين وعدم معالجتهم بالعقوبة لا يقتضي أن ينجوا من عقابه في الآخرة .وهذا الذي قاله لا ينافي ما قلناه بل هو تنبيه إلى موضع العبرة أي فلا يغترّن الظالمون بعزتهم على من يظلمونهم ، ولا يقيسوا الآخرة على الدنيا فيكونوا كأولئك المشركين ، الذين قالوا فيما حكى الله عنهم{ نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين} [ سبأ:35] بل يجب أن لا يأمنوا تقلب الدنيا وغيرها ولا ينخدعوا بقول الشاعر:
لقد أحسن الله فيما مضى *** كذلك يحسن فيما بقي .