/م12
قال تعالى:
{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ} يقسم عز وجل أنه قد أخذ العهد الموثق على بني إسرائيل ليعملن بالتوراة التي شرعها لهم ، لإفادة تأكيد هذا الأمر وتحقيقه والاهتمام بما رتب عليه ، لأن الرسول قد علمه بالوحي الإلهي وإن لم يطلع على توراتهم ولا على شيء من تاريخيهم .ولا يزال هذا الميثاق في آخر الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه الصلاة والسلام ( راجع تفسير ({ وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} [ النساء:154] من هذا الجزاء من التفسير ) .
{ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} النقيب في القوم من ينقب عن أحوالهم ويبحث عن شؤونهم ، من نقب عن الشيء إذا بحث أو فحص عنه فحصا بليغا ، وأصله الخرق في الجدار ونحوه كالنقب في الخشب وما شابهه .ويقال نقب عليهم ( من باب ضرب وعلم ) نقابة ، أي صار نقيبا عليهم .عدي باللام لما فيه من معنى التولية والرياسة .ونقباء بني إسرائيل هم زعماء أسباطهم الاثني عشر .والمراد ببعثهم إرسالهم لمقاتلة الجبارين الذين يجيء خبرهم في هذه السورة ، قاله مجاهد والكلبي والسدي .فإن صح هذا أخذ به وإلا فالظاهر أن بعثهم منهم هو جعلهم رؤساء فيهم .
{ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} أي إني معكم بالمعونة والنصر ما دمتم محافظين على ميثاقي ، قال الله هذا لموسى عليه السلام وهو بلغه عنه وكان يذكرهم به أنبياؤهم ويجدده رسلهم ، ويتوعدونهم نحو ما توعدهم به موسى عند أخذه عليهم إذا هم نقضوه{ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ} أي أقسم الله لهم على لسان موسى بما مضمونه لئن أديتم الصلاة على وجهها وأعطيتم ما فرض عليكم في أموالكم من الصدقة التي تتزكى بها نفوسكم وتتطهر من رذيلة البخل{ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أي برسلي الذي أرسلهم إليكم بعد موسى كداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) وهذه هي نكتة تأخير الإيمان بالرسل ، وهو من أصول العقائد ، على الصلاة والزكاة ، وهما من فروع الأعمال ، فإن الخطاب لقوم مؤمنين بالله ورسوله الذي بلغهم ذلك .والتعزير النصرة مع التعظيم كما قال الراغب ، وسمي ما دون الحد من التأديب الشرعي تعزيرا لأنه نصره من حيث إنه قمع للمعزر عما يضر ومنع له أن يقارفه .فالتعزيز قسمان:أن ترد عن المرء ما يضره ، أو ترده هو عما يضره مطلقا ، والأول هو تعزير الناس للرسل .
{ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا} أي وبذلتم من المال والمعروف فوق ما أوجبه الله وفرضه عليكم فكنتم بذلك بمثابة من أقرض ماله لغني ملي وفيّ فهو لا يضيع عليه ولكنه يجده أمامه عند شدة الحاجة إليه .وإذا أردت أن تعرف ما في هذا التعبير من البلاغة والتأثير ، فارجع إلى تفسير قوله تعالى:{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [ البقرة:245] من جزء التفسير الثاني .{ لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} هذا جواب القسم ، أي لأزيلن بتلك الحسنات الخمس – الصلاة والزكاة والإيمان بالرسل وتعزيرهم والإقراض الحسن – تأثير سيئاتكم الماضية من نفوسكم ، فلا يبقى فيها خبث يقتضي العقاب .وذلك بحسب ما مضت به سنة الله تعالى من إذهاب الحسنات للسيئات ، كما يغسل الماء القاذورات ،{ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} لا يدخلها إلا من كان طاهر النفس من الشرك وما يتبعه من مفسدات الفطرة ، وقدم تقدم بيان هذا وتفسير هذه العبارة مرارا .
ولما بين الله تعالى العمل الصالح والوعد بالجزاء الحسن عليه ، أعقبه ببيان حال من كان على ضده فقال:{ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} أي ضل الصراط المستقيم والسبيل السوي الذي يوصل سالكه إلى إصلاح قبله وتزكية نفسه ، ويجعله أهلا لجوار الله تعالى في تلك الجنات ، وانحرف عن وسطه فخرج عنه بسلوك إحدى سبل الباطل المفسدة للفطرة والمدسية للنفس التي ينتهي سالكها إلى دار الجحيم ، والخزي المقيم .