{ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} أي الأعمال الصالحات التي يصلح بها أمر العباد في أنفسهم وفي روابطهم ومرافقهم الاجتماعية ، ومن أسسها العدل العام والتام ، والتقوى في جميع الأحوال ، وماذا وعدهم ؟ أو ماذا قال في وعده لهم – والوعد من جملة القول - ؟ قال تعالى مبينا هذا{ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} وهذا التعبير أبلغ من تعلق الوعد بالموعود نفسه كقوله تعالى في آخر سورة الفتح:{ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} [ الفتح:29] لأن ما هنالك خبر واحد لا تأكيد فيه ولا زيادة عناية بتقريره وما هنا خبر بعد خبر ، فيه زيادة تأكيد أو تقرير للوعد ، فقد وعد وعدا مجملا من شأنه أن تتوجه النفس للسؤال عن بيانه ، فهذا خبر مستقل ، ثم بين ذلك الإجمال بخبر آخر أثبت فيه أن لهم مغفرة وأجرا عظيما ، فكأنه قال إنه وعدهم وعدا حسنا أو جزاء حسنا ، ثم بين أن وعده مفعول وأن لهؤلاء الموعودين عنده كذا وكذا .
هذا إذا جعلت الجملة استئنافا بيانيا ، وهو التقدير المقدم المختار ، وكذلك إذا جعلت الجملة الثانية من باب مقول القول تتضمن زيادة التقرير للموعود به والتأكيد لوقوعه .ومعنى المغفرة أن إيمانهم وعملهم الصالح يستر أو يمحو من نفوسهم ما كان فيها من سوء تأثير الأعمال السابقة فيغلب فيها حب الحق والخير وتكون صالحة لجوار الله تعالى ، والأجر العظيم هو الجزاء على الإيمان والعمل المضاعف بفضل الله ورحمته أضعافا كثيرة .
ولما بين الوعد اقتضى أن يبين الوعيد كما هي سنة القرآن في مثل هذا المقام فقال:{ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}