/م55
{ ولا يحسبَن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ( 59 )} .
ثم أنذر الله تعالى أولئك الخائنين بالفعل ما سيحل بهم فقال:{ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا} قرأ ابن عامر وحمزة وحفص ( يحسبن ) بالمثناة التحتية والباقون بالفوقية ، وهذه القراءة أظهر ، ومعناها ولا تحسبن أيها الرسول أن هؤلاء الذين كفروا قد سبقونا بخيانتهم لك ونقضهم لعهدك بالسر مرة بع مرة ، بأن أفلتوا من عقابنا متحصنين بعهدهم الذي يمنعك من قتالهمومثله قوله تعالى:{ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون} [ العنكبوت:4]وأما القراءة الأولى فمعناها:ولا يحسبن حاسب أو أحد أن الذين كفروا قد سبقونا بما ذكر من نقضهم للعهد ، ومظاهرتهم لأهل الشرك في الحربأو لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقونا ونجوا من عاقبة خيانتهم وشرهم ، وقد علل هذا النهي بقوله عز وعلا:
{ إنهم لا يعجزون} قرأه الجمهور بكسر إن على الاستئناف ، وابن عامر بفتحها بتقدير لأنهم ، وحذف لام التعليل مطرد في مثل هذا .والمعنى أنهم لا يعجزون الله تعالى بمكرهم وخيانتهم لرسوله بمساعدة المشركين عليه ، بل هو سيجزيهم ويسلط رسوله والمؤمنين عليهم ، فيذيقونهم عاقبة كيدهم .وهذا كما قال في نبذ عهود المشركين في أول سورة براءة{ واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين} [ التوبة:2] فهو قد أعلم رسوله بخيانتهم ، وأذن له بنبذ عهدهم ، ليحل له مناجزتهم القتال جزاء على مساعدتهم لأعدائه عليهم وإغرائهم بقتاله .
وفي هذه الآية دليل على أن ما أوجبه الإسلام من المحافظة على العهود مع المحالفين من أعدائه المخالفين له في الدين ، وما حرمه من الخيانة لهم فيها ، ما شرعه من العدل والصراحة في معاملتهمليس عن ضعف ولا عن عجز ، بل عن قوة وتأييد إلهي ، وقد نصر الله تعالى المسلمين على اليهود الخائنين الناقضين لعهودهم ، وثبت بهذا أن قتال المسلمين لهم وإجلاءهم لبقية السيف منهم من جوار عاصمة الإسلام ثم من مهده ومعقله ( الحجاز ) كان عدلا وحقا .
/خ59