/م124
{ أَولاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} الاستفهام لتقرير مضمون الحكم عليهم ، والحجة عليه ، وهو داخل على فعل محذوف للعلم به من المقام ، والمعنى أيجهلون هذا ويغفلون عن حالهم فيما يعرض لهم عاما بعد عام من تكرار الفتون والاختبار ، الذي يظهر به استعداد الأنفس للإيمان أو الكفر ، والتمييز بين الحق والباطل ، كالآيات الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به من نصر الله له ولمن اتبعه ، وخذلان أعدائه من الكفار والمنافقين ووقوع ما أنذرهم ، ومن إنباء الله رسوله بما في قلوبهم ، وفضيحتهم بما يسرون من أعمالهم ، كما فصل في هذه السورة وذكر بعضه في غيرها .وقرأ حمزة ويعقوب ( أو لا ترون ) على أن الخطاب للمؤمنين الذين قد يروعهم الخبر المؤكد وقوعه بموتهم على كفرهم ، كأنه يقول:أتعجبون من الحكم عليهم بهذه العاقبة السوءى ، ولا ترون الدلائل الدالة عليها من فتنتهم وابتلائهم المرة بعد المرة ، سنة بعد سنة ، بما من شأنه أن يذهب بشكهم ويشفي مرض قلوبهم ، من آيات الله فيهم وفي غيرهم .
{ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ ولاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي ثم تمرّ الأعوام على ذلك ولا يتوبون من نفاقهم ، ولا يتعظون بما حلّ بهم مما أنذرهم الله تعالى به ، وهل بعد هذا من برهان على انطفاء نور الفطرة والاستعداد للإيمان أقوى من هذا ؟ إن كان وراءه برهان أقوى منه فهو أنهم يفرون من العلاج الذي من شأنه أن يشفيهم من مرض قلوبهم ، وهو ما أكد به ما قبله بقوله:{ وإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ}