/م56
{ لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون} الملجأ المكان الذي يلجأ إليه الخائف ليعتصم من حصن أو قلعة أو جزيرة في بحر أو قنة في جبل ، والمغارات جمع مغارة وهي الغار في الجبل ، وتقدم اشتقاقه في تفسير آية الغار ، والمدخل بالتشديد [ مفتعل من الدخول] السرب في الأرض يدخله الإنسان بمشقة ، والجماح السرعة الشديدة التي تتعسر مقاومتها أو تتعذر .
يقول إنهم لشدة كرههم للقتال معكم ولمعاشرتكم ، ولشدة رعبهم من ظهور نفاقهم لكم ، يتمنون الفرار منكم والمعيشة في مضيق من الأرض يعتصمون به من انتقامكم ، بحيث لو يجدون ملجأ يلجؤون إليه ، أو مغارات يغورون فيها ، أو مدخلاً يندسون وينجحرون فيه ، لولوا إليهأي إلى ما يجدونه مما ذكر وهم يسرعون مقتحمين كالفرس الجموح لا يردهم شيء .وهذا الوصف من أبلغ مبالغة القرآن في تصوير الحقائق التي لا تتجلى للفهم والعبرة بدونها ، فتصور شخوصهم وهم يعدون بغير نظام ، يلهثون كما تلهث الكلاب ، يتسابقون إلى تلك الملاجئ من مغارات ومدخلات ، فيتسلقون إليها ، أو يندسون فيها ، فكذلك كان تصورهم عند ما سمعوا الآية في وصفهم .
قال ابن جرير:وإنما وصفهم الله بما وصفهم به من هذه الصفة لأنهم إنما قاموا بين أظهر صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم ، ولما هم عليه من الإيمان بالله وبرسوله ، لأنهم كانوا في قومهم وعشيرتهم وفي دورهم وأموالهم ، فلم يقدروا على ترك ذلك وفراقه فصانعوا القوم بالنفاق ، ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم بالكفر [ كذا ولعل أصله بإخفاء الكفر] ودعوى الإيمان ، وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به والعداوة لهم اه .