قرأ بعض القراء:ملك يوم الدين وقرأ آخرون:مالك . وكلاهما صحيح متواتر في السبع .
[ ويقال:مليك أيضا ، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ:ملكي يوم الدين وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى ، وكلاهما صحيحة حسنة ، ورجح الزمخشري "ملك "؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله:( لمن الملك اليوم وقوله:( قوله الحق وله الملك وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ ملك يوم الدين على أنه فعل وفاعل ومفعول ، وهذا شاذ غريب جدا] . وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال:حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي بن الفضل ، عن أبي المطرف ، عن ابن شهاب:أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون:( مالك يوم الدين وأول من أحدث ملك مروان . قلت:مروان عنده علم بصحة ما قرأه ، لم يطلع عليه ابن شهاب ، والله أعلم .
وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها:( مالك يوم الدين ومالك مأخوذ من الملك ، كما قال:( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) [ مريم:40] وقال:( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [ الناس:1 ، 2] وملك:مأخوذ من الملك كما قال تعالى:( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر:16] وقال:( قوله الحق وله الملك ) [ الأنعام:73] وقال:( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ الفرقان:26] .
وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا ، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال:( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ:38] وقال تعالى:( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه:108] ، وقال:( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود:105] .
وقال الضحاك عن ابن عباس:( مالك يوم الدين يقول:لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما ، كملكهم في الدنيا . قال:ويوم الدين يوم الحساب للخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، إلا من عفا عنه . وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف ، وهو ظاهر .
وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ، ثم شرع يضعفه .
والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم ، وأن كلا من القائلين بهذا وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر ، ولا ينكره ، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال:( الملك يومئذ الحق للرحمن ) [ الفرقان:26] والقول الثاني يشبه قوله:( ويوم يقول كن فيكون ، [ الأنعام:73] والله أعلم .
والملك في الحقيقة هو الله عز وجل ؛ قال الله تعالى:( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله ، وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ وفي القرآن العظيم:( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى:( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ، وكان وراءهم ملك إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وفي الصحيحين:( مثل الملوك على الأسرة ) .
والدين الجزاء والحساب ؛ كما قال تعالى:( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، وقال:( أئنا لمدينون أي مجزيون محاسبون ، وفي الحديث:الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت أي حاسب نفسه لنفسه ؛ كما قال عمر رضي الله عنه:حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم:( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .