ثم قال تعالى:( وأنذرهم يوم الحسرة ) أي:أنذر الخلائق يوم الحسرة ، ( إذ قضي الأمر ) أي:فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودخل كل إلى ما صار إليه مخلدا فيه ، ( وهم ) أي:اليوم ) في غفلة ) عما أنذروا به ) وهم لا يؤمنون ) أي:لا يصدقون به .
قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال:يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ قال:"فيشرئبون فينظرون ويقولون:نعم هذا الموت ". قال:"فيقال:يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال:فيشرئبون فينظرون ويقولون:نعم ، هذا الموت "قال:"فيؤمر به فيذبح "قال:"ويقال:يا أهل الجنة ، خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت "قال:ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة ) وأشار بيده قال:"أهل الدنيا في غفلة الدنيا ".
هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، من حديث الأعمش ، به . ولفظهما قريب من ذلك . وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة:حدثني أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا ، مثله . وفي سنن ابن ماجه وغيره ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة بنحوه وهو في الصحيحين عن ابن عمر . ورواه ابن جريج قال:قال ابن عباس:فذكر من قبله نحوه . ورواه أيضا عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه:يؤتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - في قصة ذكرها ، قال:فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم:لو آمنتم وعملتم صالحا ، كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة قال:ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال:لولا أن من الله عليكم . . .
وقال السدي ، عن زياد ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود في قوله:( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) قال:إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد:يا أهل الجنة ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادى:يا أهل النار ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم ، إلا نظر إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادى:يا أهل الجنة ، هو الخلود أبد الآبدين ، ويا أهل النار ، هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتا من فرح ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا من شهقة ماتوا فذلك قوله:( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) يقول:إذا ذبح الموت . رواه ابن أبي حاتم في تفسيره .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( وأنذرهم يوم الحسرة ) من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله:( وأنذرهم يوم الحسرة ) قال:يوم القيامة ، وقرأ:( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) [ الزمر:56]