قوله تعالى حكاية لدعاء إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام:( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم )
قال ابن جرير:يعنيان بذلك ، واجعلنا مستسلمين لأمرك ، خاضعين لطاعتك ، لا نشرك معك في الطاعة أحدا سواك ، ولا في العبادة غيرك .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن رجاء بن حيان الحصني القرشي ، حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن عبد الكريم:( واجعلنا مسلمين لك ) قال:مخلصين لك ، ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) قال:مخلصة .
وقال أيضا:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا المقدمي ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية ( واجعلنا مسلمين ) قال:كانا مسلمين ، ولكنهما سألاه الثبات .
وقال عكرمة:( ربنا واجعلنا مسلمين لك ) قال الله:قد فعلت . ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) قال الله:قد فعلت .
وقال السدي:( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) يعنيان العرب .
قال ابن جرير:والصواب أنه يعم العرب وغيرهم ; لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل ، وقد قال الله تعالى:( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف:159]
قلت:وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي ; فإن تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم ، والسياق إنما هو في العرب ; ولهذا قال بعده:( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) الآية ، والمراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد بعث فيهم كما قال تعالى:( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) [ الجمعة:2] ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود ، لقوله تعالى:( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف:158] ، وغير ذلك من الأدلة القاطعة .
وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام ، كما أخبر الله تعالى عن عباده المتقين المؤمنين ، في قوله:( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) [ الفرقان:74] . وهذا القدر مرغوب فيه شرعا ، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له ; ولهذا لما قال الله تعالى لإبراهيم ، عليه السلام:( إني جاعلك للناس إماما ) قال:( ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) وهو قوله:( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) [ إبراهيم:35] . وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "
"وأرنا مناسكنا "قال ابن جريج ، عن عطاء ( وأرنا مناسكنا ) أخرجها لنا ، علمناها .
وقال مجاهد ( وأرنا مناسكنا ) مذابحنا . وروي عن عطاء أيضا ، وقتادة نحو ذلك .
وقال سعيد بن منصور:حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال:قال إبراهيم:"أرنا مناسكنا "فأتاه جبرائيل ، فأتى به البيت ، فقال:ارفع القواعد . فرفع القواعد وأتم البنيان ، ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا ، قال:هذا من شعائر الله . ثم انطلق به إلى المروة ، فقال:وهذا من شعائر الله ؟ . ثم انطلق به نحو منى ، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة ، فقال:كبر وارمه . فكبر ورماه . ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى ، فلما جاز به جبريل وإبراهيم قال له:كبر وارمه . فكبر ورماه . فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئا فلم يستطع ، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام ، فقال:هذا المشعر الحرام . فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به عرفات . قال:قد عرفت ما أريتك ؟ قالها:ثلاث مرار . قال:نعم .
وروي عن أبي مجلز وقتادة نحو ذلك . وقال أبو داود الطيالسي:حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي العاصم الغنوي ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس ، قال:إن إبراهيم لما أري أوامر المناسك ، عرض له الشيطان عند المسعى ، فسابقه إبراهيم ، ثم انطلق به جبريل حتى أتى به منى ، فقال:مناخ الناس هذا . فلما انتهى إلى جمرة العقبة تعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أتى به الجمرة الوسطى ، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات ، حتى ذهب ، ثم أتى به الجمرة القصوى ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، فأتى به جمعا . فقال:هذا المشعر . ثم أتى به عرفة . فقال:هذه عرفة . فقال له جبريل:أعرفت ؟ .