ما بين تعالى أنه لا إله إلا هو ، وأنه المستقل بالخلق ، شرع يبين أنه الرزاق لجميع خلقه ، فذكر [ ذلك] في مقام الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيبا ، أي:مستطابا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول ، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان ، وهي:طرائقه ومسالكه فيما أضل أتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها مما زينه لهم في جاهليتهم ، كما في حديث عياض بن حمار الذي في صحيح مسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يقول الله تعالى:إن كل ما أمنحه عبادي فهو لهم حلال "وفيه:"وإني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ".
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه:حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة المصري ، حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي ، حدثنا أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن أدهم حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال:تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم:( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) فقام سعد بن أبي وقاص ، فقال:يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال . "يا سعد ، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده ، إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما ، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ".
وقوله:( إنه لكم عدو مبين ) تنفير عنه وتحذير منه ، كما قال:( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر:6] وقال تعالى:( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف:50] .
وقال قتادة ، والسدي في قوله:( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان .
وقال عكرمة:هي نزغات الشيطان ، وقال مجاهد:خطاه ، أو قال:خطاياه .
وقال أبو مجلز:هي النذور في المعاصي .
وقال الشعبي:نذر رجل أن ينحر ابنه فأفتاه مسروق بذبح كبش . وقال:هذا من خطوات الشيطان .
وقال أبو الضحى ، عن مسروق:أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح ، فجعل يأكل ، فاعتزل رجل من القوم ، فقال ابن مسعود:ناولوا صاحبكم . فقال:لا أريده . فقال:أصائم أنت ؟ قال:لا . قال:فما شأنك ؟ قال:حرمت أن آكل ضرعا أبدا . فقال ابن مسعود:هذا من خطوات الشيطان ، فاطعم وكفر عن يمينك .
رواه ابن أبي حاتم ، وقال أيضا:
حدثنا أبي ، حدثنا حسان بن عبد الله المصري ، عن سليمان التيمي ، عن أبي رافع ، قال:غضبت على امرأتي ، فقالت:هي يوما يهودية ويوما نصرانية ، وكل مملوك لها حر ، إن لم تطلق امرأتك . فأتيت عبد الله بن عمر فقال:إنما هذه من خطوات الشيطان . وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة ، وهي يومئذ أفقه امرأة في المدينة . وأتيت عاصما وابن عمر فقالا مثل ذلك .
وقال عبد بن حميد:حدثنا أبو نعيم عن شريك ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:ما كان من يمين أو نذر في غضب ، فهو من خطوات الشيطان ، وكفارته كفارة يمين .
[ وقال سعيد بن داود في تفسيره:حدثنا عبادة بن عباد المهلبي عن عاصم الأحول ، عن عكرمة في رجل قال لغلامه:إن لم أجلدك مائة سوط فامرأته طالق ، قال:لا يجلد غلامه ، ولا تطلق امرأته ، هذا من خطوات الشيطان] .