/م168
قال تعالى:{ يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا} الحلال هو غير الحرام الذي نص عليه في قوله تعالى:{ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} ( الأنعام:145 ) فما عدا هذا فكله مباح بشرط أن يكون طيبا أي غير خبيث .وفسر الجلال الطيب بالحلال على أنه تأكيد أو بالمستلذ ، والأول لا محل له والتأسيس مقدم على التأكيد ، والثاني لا يظهر تقييد الإباحة العامة لما في الأرض به ، ورجح الأستاذ الإمام أن الطيب ما لا يتعلق به حق الغير وهو الظاهر ، لأن المراد بحصر المحرم فيما ذكر المحرم لذاته لا يحل إلا للمضطر ، وبقي المحرم لعارض فتعين بيانه وهو ما يتعلق به حق الغير ويؤخذ بغير وجه صحيح ، كما يكون في أكل الرؤساء من المرؤوسين بلا مقابل إلا أنهم رؤساؤهم المسيطرون عليهم ، وكذلك أكل المرؤوسين بجاه الرؤساء ، فإن كلا منهما يمد الآخر ليستمد منه في غير الوجوه المشروعة التي يتساوى فيها جميع الناس ، ويخرج بذلك الربا والرشوة والسحت والغصب والغش والسرقة فكل ذلك خبيث ، وكذا ما عرض له الخبث بتغيره كالطعام المنتن .
وبهذا التفسير يتحرر ما أباحه الدين وتلتئم الآية مع ما قبلها .
وأتبع خطوات بضمتين جمع خطوة بالضم وهي ما بين القدمينوبفتحتين جمع خطوة وهي المرة من خطا يخطو في مشيه ، والمعنى لا تتبعوا سيرته في الإغواء ، ووسوسته في الأمر بالسوء والفحشاء ، وهو ما بينه في الآية التالية .وعلل النهي بكونه عدوا للناس بين العداوة .والعلم بعدوانه لنا لا يتوقف على معرفة ذاته ، وإنما يعرف الشيطان بهذا الأثر الذي ينسبه إليه وهو وحي الشر ، وخواطر الباطل والسوء في النفس ، فهو منشأ هذا الوحي والخواطر الرديئة ، قول تعالى:{ شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} ( الأنعام:112 ) ولا أبين وأظهر من عداوة داعية الشر والضلال ، فعلى الإنسان أن يلتفت إلى خواطره ويضع لها ميزانا ، فإذا مالت نفسه إلى بذل المال لمصلحة عامة ، أو عرض له سبب معاونة عامل على خير أو صدقة على بائس فقير ، فعارضه خاطر التوفير والاقتصاد ، فليعلم أنه من وحي الشيطان ، ولا ينخدع لما يسوله له من إرجاء هذا العطاء ووضعه في موضع أنفع ، أو بذله لفقير أحوج ، وإذا هم بدفاع عن حق أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر فخطر له ما يثبط عزمه أو يمسك لسانه ، فليعلم أنه من وسواس الشيطان .وأظهر وحي الشياطين ما يجزئ على التحريم والتحليل لأجل المنافع التي تلبس على المتجرئ عليها بالمصلحة وسياسة الناس ، كأنه قال لا تتبعوا وحي الباطل والشر وخواطرهما تلم بكم وتطوف بنفوسكم ، فإنها من إغواء الشيطان عدوكم .