وقوله:( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) أي:لا يكلف أحدا فوق طاقته ، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم ، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة ، في قوله:( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) أي:هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه ، فأما ما لا يمكن دفعه من وسوسة النفس وحديثها ، فهذا لا يكلف به الإنسان ، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان .
وقوله:( لها ما كسبت ) أي:من خير ، ( وعليها ما اكتسبت ) أي:من شر ، وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف ، ثم قال تعالى مرشدا عباده إلى سؤاله ، وقد تكفل لهم بالإجابة ، كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا:( ربنا لا تؤاخذنا إن [ نسينا] ) أي:إن تركنا فرضا على جهة النسيان ، أو فعلنا حراما كذلك ، ( أو أخطأنا ) أي:الصواب في العمل ، جهلا منا بوجهه الشرعي .
وقد تقدم في صحيح مسلم لحديث أبي هريرة:"قال الله:نعم "ولحديث ابن عباس قال الله:"قد فعلت ".
وروى ابن ماجه في سننه ، وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي ، عن عطاء قال ابن ماجه في روايته:عن ابن عباس . وقال الطبراني وابن حبان:عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ". وقد روي من طرق أخر وأعله أحمد وأبو حاتم والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن شهر ، عن أم الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث:عن الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه "قال أبو بكر:فذكرت ذلك للحسن ، فقال:أجل ، أما تقرأ بذلك قرآنا:( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) .
وقوله:( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) أي:لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها ، كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والآصار التي كانت عليهم ، التي بعثت نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به ، من الدين الحنيف السهل السمح .
وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله:نعم ".
وعن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله:قد فعلت ". وجاء الحديث من طرق ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بعثت بالحنيفية السمحة ".
وقوله:( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) أي:من التكليف والمصائب والبلاء ، لا تبتلينا بما لا قبل لنا به .
وقد قال مكحول في قوله:( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال:الغربة والغلمة ، رواه ابن أبي حاتم ، "قال الله:نعم "وفي الحديث الآخر:"قال الله:قد فعلت ".
وقوله:( واعف عنا ) أي:فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا ، ( واغفر لنا ) أي:فيما بيننا وبين عبادك ، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة ، ( وارحمنا ) أي:فيما يستقبل ، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر ، ولهذا قالوا:إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء:أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه ، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم ، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره . وقد تقدم في الحديث أن الله قال:نعم . وفي الحديث الآخر:"قال الله:قد فعلت ".
وقوله:( أنت مولانا ) أي:أنت ولينا وناصرنا ، وعليك توكلنا ، وأنت المستعان ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك ( فانصرنا على القوم الكافرين ) أي:الذين جحدوا دينك ، وأنكروا وحدانيتك ، ورسالة نبيك ، وعبدوا غيرك ، وأشركوا معك من عبادك ، فانصرنا عليهم ، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة ، قال الله:نعم . وفي الحديث الذي رواه مسلم ، عن ابن عباس:"قال الله:قد فعلت ".
وقال ابن جرير:حدثني المثنى بن إبراهيم ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، أن معاذا ، رضي الله عنه ، كان إذا فرغ من هذه السورة ( فانصرنا على القوم الكافرين ) قال:آمين .
ورواه وكيع عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل ، عن معاذ بن جبل:أنه كان إذا ختم البقرة قال:آمين .