{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}
تختم هذه سورة بالآية الكريمة وفيها يسر التشريع وسماحة الإسلام فتكاليفه في متناول البشر .الصلوات الخمس والصوم شهر في السنة والزكاة نسبة قليلة من المال والحج فريضة لمن استطاع إليه سبيلا وعند المرض والسفر يباح للإنسان قصر الصلاة وجمعها ويباح للصائم في رمضان الفطر والقضاء وفي كثير من تشريعات الإسلام تتجلى سماحة هذا الدين ومراعاته لطبيعة الإنسان .
فالشريعة يسر كلها ورحمة كلها وعدل كلها قال تعالى:{يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} ( البقرة 185 ) .
و قال سبحانه:{ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج} ( المائدة6 ) .
و يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ..} ( 110 ) .
و مجمل معنى الفقرة الأولى: إن الله لا يكلف عباده إلا ما يستطيعون تأديتة والقيام به ولذلك كان كل مكلف مجزيا بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر ومن الفقرة تتضح المسؤوليةالفردية وتحمل الإنسان لتبعات عمله فهو أهل الجزاء الحسن إذا أحسن وهو يستحق للمؤاخذة إذا أساء قال تعالى:
{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} ( الجاثية 21 ) .
و تسترسل الآية في دعاء رخي ندي يملأ القلب نورا والنفس خيرا وبركة .
{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ربنا لا تعاقبنا إن وقعنا في النسيان لما كلفتنا إياه ،او أهملنا أسباب السلامة فوقعنا في الخطأ بسبب ضعف أو قصور .
فقد فتحت باب التوبة للتائبين وقبلت رجوعالمذنبين إليك ولم تغلق في وجهم باب رحمتك .
قال تعالى:{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} .( الزمر 53 ) .
{ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} الإصر معناه العبء الثقيل مأخوذ من أصره يأصره أي حبسه والمراد التكاليف الشاقة أي ربنا ولا تحمل علينا عبئا ثقيلا كما حملته على الذين من قبلنا ولا تشدد علينا في التشريع كما شددت على اليهود بسبب تعنتهم وظلمهم .
فمن شرائعهم قتل النفس في التوبة او في القصاص لأنه لا يجوز غيره في شريعتهم وقطع موضع النجاسة من الثوب ونحوه وصرف ربع المال في الزكاة .
قال تعالى:{و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو اختلط بعظم} ( الأنعام 146 ) .
على أن الإصر الأكبر الذي رفعه لله عن هذه الأمة هو إصر العبودية للبشر عبودية العبد للعبد فالله ينادينا في القرآن بأنه قريب لا يحتاج إلى واسطة:{وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} ( البقرة 186 ) .
ولا بأس أن ننقل هنا طائفة مما حمله بنو إسرائيل من الآصار و العناء ننقله عن أسفارهم في سفر الخروج في الإصحاح الحادي والعشرين:
( 15 ) ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلا .
( 16 ) ومن سرق إنسانا وباعه أو وجد في يده يقتل قتلا .
( 17 ) ومن شتم أباه أو أمه يقتل قتلا .
و في سفر اللاويين في الإصحاح الحادي عشر تحريم بعض الطيور وفيه آصار كثيرة منها:
( 33 ) وكل متاعخزف وقع فيه منها فكل ما فيه يتنجس وأما هو فتكسرونه .
و في الإصحاح الثاني عشر أحكام النفساء عندهم والفرقبين ولادتها ذكرا وأنثى وأنها في الأول تكون نجسة أسبوعا ثم ثلاثا وثلاثين يوما وفي الثاني أسبوعين ثم ستة وستين يوما .
و في الإصحاح الخامس عشر أحكام الحائض ومنها:
( 19 ) وكل من مسها يكون نجسا إلى المساء ،( 20 ) وكل ما تضطجع في طمثها يكون نجسا وكل ما تجلس عليه يكون نجسا .( 21 ) وكل من مس ثيابها يغسل ثيابه .
و من دعاء المؤمنين:
{ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به أي لا تكلفنا ما لا طاقة لنا به من التكاليف .
و الطاقة: اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة وذلك تشبيه بالطوق المحيط بقوله تعالى: لا تحملنا ما لا طاقة لنا به أي ما يصعب علينا مزاولته وليس معناه لا تحملنا ما لا قدرة لنا به ( 111 ) .
إنهم يتوجهون إلى الله راجين أن يرحم ضعفهم فلا يكلفهم ما لا يطيقون كي لا يعجزوا عنه ويقصروا فيه وإلا فهي الطاعة والتسليم إنه طمع الصغير في كرم الكبير وبره وتيسره .
و من دعاء المؤمنين:
{و اعف عنا واغفر لنا وارحمنا} إنه تبتل المؤمن وإخلاصه في طلب العون من الله .
اعف عنا: بكرمك إنك تمحو عنا ما ألمنا به من الذنوب وتتجاوز عنها .
و اغفر لنا: سامحنا واشملنا برحمتك وغفرانك وسترك .
و ارحمنا: برحمتك الواسعة فهم طلبوا من الله أن يعفوا عنهم بأن يسقط عنهم العقاب وان يغفر لهمبأن يستر عليهم ذنوبهم فلا يفضحهم وأن يشملهم بعطفه ورحمته ثم ختموا دعاءهم بقوله:
{أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ..} أنت ولي المؤمنين وناصر المتقين فاجعلنا أهلا لعونك وتوفيقك وانصرنا على الكافرين الجاحدين فضلك ونعمتك وهو ختام يدل على كمال الإيمان ونهاية الخضوع والطاعة للرحمة والرغبة في إحقاق الحق ونصرة الدين وهزيمة الكافرين .
و في تفسير ابن الكثير عنوان عن:
( ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا الله بهما ) .
( الحديث الاول ) قال البخاري عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:"منقرأ بالآيتين - من آخر سورة البقرة كفتاه ( 112 ) ثم نقل عشرة أحاديث نبوية من فضل الآيتين الآخرتين من سورة البقرة .
و قد ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هده الدعوات: قد فعلت .
أي لما قال المؤمنون: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( قال الله عز وجل: قد فعلت ){ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين ممن قبلنا} ( قال: وقد فعلت ){واغفر لنا وارحمنا انت مولانا} ( قال: فعلت ) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان .
و أخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة "ولفظ الترمذي"وإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشياطين "( 113 ) .
و أخرج سعيد بن منصور والترمذي والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي "( 114 ) .