( ومن أعرض عن ذكري ) أي:خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه ( فإن له معيشة ضنكا ) أي:في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره [ ضيق] حرج لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد . فهذا من ضنك المعيشة .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( فإن له معيشة ضنكا ) قال:الشقاء .
وقال العوفي ، عن ابن عباس:( فإن له معيشة ضنكا ) قال:كل مال أعطيته عبدا من عبادي ، قل أو كثر ، لا يتقيني فيه ، فلا خير فيه ، وهو الضنك في المعيشة . ويقال:إن قوما ضلالا أعرضوا عن الحق ، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين ، فكانت معيشتهم ضنكا; [ و] ذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفا لهم معايشهم ، من سوء ظنهم بالله والتكذيب ، فإذا كان العبد يكذب بالله ، ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته ، فذلك الضنك .
وقال الضحاك:هو العمل السيئ ، والرزق الخبيث ، وكذا قال عكرمة ، ومالك بن دينار .
وقال سفيان بن عيينة ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد في قوله:( معيشة ضنكا ) قال:يضيق عليه قبره ، حتى تختلف أضلاعه فيه . قال أبو حاتم الرازي:النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل:( فإن له معيشة ضنكا ) قال:"ضمة القبر "الموقوف أصح .
وقال ابن أبي حاتم أيضا:حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج أبو السمح ، عن ابن حجيرة - اسمه عبد الرحمن - عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:المؤمن في قبره في روضة خضراء ، ويرحب له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر ، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية:( فإن له معيشة ضنكا ) ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك؟ "قالوا:الله ورسوله أعلم . قال:عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده ، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا ، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية ، لكل حية سبعة رؤوس ، ينفخون في جسمه ، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون ". .
رفعه منكر جدا .
وقال البزار:حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا محمد بن عمرو حدثنا هشام بن سعد ، عن سعيد بن أبي هلال ، [ عن أبي حجيرة] عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل:( فإن له معيشة ضنكا ) قال:"المعيشة الضنك الذي قال الله تعالى:أنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ، ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة ".
وقال أيضا:حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:( فإن له معيشة ضنكا ) قال:"عذاب القبر ". إسناد جيد .
وقوله:( ونحشره يوم القيامة أعمى ) قال مجاهد ، وأبو صالح ، والسدي:لا حجة له .
وقال عكرمة:عمي عليه كل شيء إلا جهنم .
ويحتمل أن يكون المراد:أنه يحشر أو يبعث إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا ، كما قال تعالى:( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ) [ الإسراء: