( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) قيل:معناه:على الإيمان برسلك . وقيل:معناه:على ألسنة رسلك . وهذا أظهر .
وقد قال الإمام أحمد:حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن محمد ، عن أبي عقال ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عسقلان أحد العروسين ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم ، ويبعث منها خمسين ألفا شهداء وفودا إلى الله ، وبها صفوف الشهداء ، رءوسهم مقطعة في أيديهم ، تثج أوداجهم دما ، يقولون:( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) فيقول:صدق عبدي ، اغسلوهم بنهر البيضة . فيخرجون منه نقاء بيضا ، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا ".
وهذا الحديث يعد من غرائب المسند ، ومنهم من يجعله موضوعا ، والله أعلم .
( ولا تخزنا يوم القيامة ) أي:على رءوس الخلائق ( إنك لا تخلف الميعاد ) أي:لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك ، وهو القيام يوم القيامة بين يديك .
وقد قال الحافظ أبو يعلى:حدثنا الحارث بن سريج حدثنا المعتمر ، حدثنا الفضل بن عيسى ، حدثنا محمد بن المنكدر ، أن جابر بن عبد الله حدثه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله ، عز وجل ، ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار "حديث غريب .
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده ، فقال البخاري ، رحمه الله:
حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن كريب عن ابن عباس قال:بت عند خالتي ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد ، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال:( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) ثم قام فتوضأ واستن . فصلى إحدى عشرة ركعة . ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، ثم خرج فصلى بالناس الصبح .
وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن إسحاق الصنعاني ، عن ابن أبي مريم ، به ثم رواه البخاري من طرق عن مالك ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، عن ابن عباس أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي خالته ، قال:فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل - أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل - استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه ، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران ، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي - قال ابن عباس:فقمت فصنعت مثل ما صنع ، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه - فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ثم أوتر ، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن ، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم خرج فصلى الصبح .
وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن مالك ، به ورواه مسلم أيضا وأبو داود من وجوه أخر ، عن مخرمة بن سليمان ، به .
"طريق أخرى "لهذا الحديث عن ابن عباس [ رضي الله عنهما] .
قال أبو بكر بن مردويه:حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن علي ، أخبرنا أبو يحيى بن أبي مسرة أنبأنا خلاد بن يحيى ، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق ، عن المنهال بن عمرو ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن عبد الله بن عباس قال:أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ صلاته . قال:فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العشاء الآخرة ، حتى إذا لم يبق في المسجد أحد غيره قام فمر بي ، فقال:"من هذا ؟ عبد الله ؟ "فقلت نعم . قال:"فمه ؟ "قلت:أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة . قال:"فالحق الحق "فلما أن دخل قال:"افرشن عبد الله ؟ "فأتى بوسادة من مسوح ، قال فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها حتى سمعت غطيطه ، ثم استوى على فراشه قاعدا ، قال:فرفع رأسه إلى السماء فقال:"سبحان الملك القدوس "ثلاث مرات ، ثم تلا هذه الآيات من آخر سورة آل عمران حتى ختمها .
وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث علي بن عبد الله بن عباس حديثا في ذلك أيضا .
طريق أخرى رواها ابن مردويه ، من حديث عاصم بن بهدلة ، عن بعض أصحابه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعد ما مضى ليل ، فنظر إلى السماء ، وتلا هذه الآية:( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) إلى آخر السورة . ثم قال:"اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، ومن بين يدي نورا ، ومن خلفي نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، وأعظم لي نورا يوم القيامة "وهذا الدعاء ثابت في بعض طرق الصحيح ، من رواية كريب ، عن ابن عباس ، رضي الله عنه . .
ثم روى ابن مردويه وابن أبي حاتم من حديث جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:أتت قريش اليهود فقالوا:بما جاءكم موسى من الآيات ؟ قالوا:عصاه ويده البيضاء للناظرين . وأتوا النصارى فقالوا:كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا:كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا . فدعا ربه ، عز وجل ، فنزلت:( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) قال:"فليتفكروا فيها "لفظ ابن مردويه . وقد تقدم سياق الطبراني لهذا الحديث في أول الآية ، وهذا يقتضي أن تكون هذه الآيات مكية ، والمشهور أنها مدنية ، ودليله الحديث الآخر ، قال ابن مردويه:
حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل ، أخبرنا أحمد بن علي الحراني ، حدثنا شجاع بن أشرس ، حدثنا حشرج بن نباتة الواسطي أبو مكرم ، عن الكلبي - هو أبو جناب [ الكلبي] - عن عطاء قال:انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة ، رضي الله عنها ، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب ، فقالت:يا عبيد ، ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال:قول الشاعر:
زر غبا تزدد حبا
فقال ابن عمر:ذرينا أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبكت وقالت:كل أمره كان عجبا ، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ، ثم قال:ذريني أتعبد لربي [ عز وجل] قالت:فقلت:والله إني لأحب قربك ، وإني أحب أن تعبد لربك . فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلي ، فبكى حتى بل لحيته ، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ، ثم اضطجع على جنبه فبكى ، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت:فقال:يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر ، فقال:"ويحك يا بلال ، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل علي في هذه الليلة:( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) "ثم قال:"ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ".
وقد رواه عبد بن حميد ، عن جعفر بن عون ، عن أبي جناب الكلبي عن عطاء ، بأطول من هذا وأتم سياقا .
وهكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن عمران بن موسى ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن يحيى بن زكريا ، عن إبراهيم بن سويد النخعي ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء قال:دخلت أنا [ وعبد الله بن عمر] وعبيد بن عمير على عائشة فذكر نحوه .
وهكذا رواه عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والاعتبار "عن شجاع بن أشرص ، به . ثم قال:حدثني الحسن بن عبد العزيز:سمعت سنيدا يذكر عن سفيان - هو الثوري - رفعه قال:من قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيه ويله . يعد بأصابعه عشرا . قال الحسن بن عبد العزيز:فأخبرني عبيد بن السائب قال:قيل للأوزاعي:ما غاية التفكر فيهن ؟ قال:يقرؤهن وهو يعقلهن .
قال ابن أبي الدنيا:وحدثني قاسم بن هاشم ، حدثنا علي بن عياش ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان قال:سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلق به المتعلق من الفكر فيهن وما ينجيه من هذا الويل ؟ فأطرق هنية ثم قال:يقرؤهن وهو يعقلهن .
[ حديث آخر فيه غرابة:قال أبو بكر بن مردويه:أنبأنا عبد الرحمن بن بشير بن نمير ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم البستي ح وقال:أنبأنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا أحمد بن عمرو قالا أنبأنا هشام بن عمار ، أنبأنا سليمان بن موسى الزهري ، أنبأنا مظاهر بن أسلم المخزومي ، أنبأنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة . مظاهر بن أسلم ضعيف] .