يخبر تعالى عن اليهود بأن فيهم الخونة ، ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم ، فإن منهم ( من إن تأمنه بقنطار ) أي:من المال ( يؤده إليك ) أي:وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليك ( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ) أي:بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك ، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى ألا يؤديه .
وقد تقدم الكلام على القنطار في أول السورة ، وأما الدينار فمعروف .
وقد قال ابن أبي حاتم:حدثنا سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية ، عن زياد بن الهيثم ، حدثني مالك بن دينار قال:إنما سمي الدينار لأنه دين ونار . وقال:معناه:أنه من أخذه بحقه فهو دينه ، ومن أخذه بغير حقه فله النار .
ومناسب أن يكون هاهنا الحديث الذي علقه البخاري في غير موضع من صحيحه ، ومن أحسنها سياقه في كتاب الكفالة حيث قال:وقال الليث:حدثني جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل [ بعض] بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال:ائتني بالشهداء أشهدهم . فقال:كفى بالله شهيدا . قال:ائتني بالكفيل . قال:كفى بالله كفيلا . قال:صدقت . فدفعها إليه إلى أجل مسمى ، فخرج في البحر فقضى حاجته ، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركبا ، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار ، وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى بها إلى البحر ، فقال:اللهم إنك تعلم أني استسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت:كفى بالله كفيلا ، فرضي بك . وسألني شهيدا ، فقلت:كفى بالله شهيدا ، فرضي بك ، وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر ، وإني استودعتكها . فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده ، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يجيئه بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطبا ، فلما كسرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الذي كان تسلف منه ، فأتاه بألف دينار ، وقال:والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك ، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه . قال:هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ قال:ألم أخبرك أني لم أجد مركبا قبل هذا ؟ قال:فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة ، فانصرف بألف دينار راشدا .
هكذا رواه البخاري في موضعه معلقا بصيغة الجزم ، وأسنده في بعض المواضع من الصحيح عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه . ورواه الإمام أحمد في مسنده هكذا مطولا عن يونس بن محمد المؤدب ، عن الليث به ، ورواه البزار في مسنده ، عن الحسن بن مدرك ، عن يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ثم قال:لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد . كذا قال ، وهو خطأ ، لما تقدم .
وقوله:( ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ) أي:إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون:ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين ، وهم العرب ، فإن الله قد أحلها لنا . قال الله تعالى:( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) أي:وقد اختلقوا هذه المقالة ، وائتفكوا بهذه الضلالة ، فإن الله حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها ، وإنما هم قوم بهت .
قال عبد الرزاق:أنبأنا معمر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن [ أبي] صعصعة بن يزيد ، أن رجلا سأل ابن عباس ، قال:إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة ؟ قال ابن عباس:فتقولون ماذا ؟ قال:نقول ليس علينا بذلك بأس . قال:هذا كما قال أهل الكتاب:( ليس علينا في الأميين سبيل ) إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم .
وكذا رواه الثوري ، عن أبي إسحاق بنحوه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا محمد بن يحيى ، أخبرنا أبو الربيع الزهراني حدثنا يعقوب ، حدثنا جعفر ، عن سعيد بن جبير قال:لما قال أهل الكتاب:( ليس علينا في الأميين سبيل ) قال نبي الله [ صلى الله عليه وسلم] كذب أعداء الله ، ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة ، فإنها مؤداة إلى البر والفاجر "