وقوله:( ولا تصعر خدك للناس ) يقول:لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك ، احتقارا منك لهم ، واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك ، وابسط وجهك إليهم ، كما جاء في الحديث:"ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة ، والمخيلة لا يحبها الله ".
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( ولا تصعر خدك للناس ) يقول:لا تتكبر فتحقر عباد الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك . وكذا روى العوفي وعكرمة عنه .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم:( ولا تصعر خدك للناس ):لا تكلم وأنت معرض . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، ويزيد بن الأصم ، وأبي الجوزاء ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وابن يزيد ، وغيرهم .
وقال إبراهيم النخعي:يعني بذلك التشديق في الكلام .
والصواب القول الأول .
قال ابن جرير:وأصل الصعر:داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها ، حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها ، فشبه به الرجل المتكبر ، ومنه قول عمرو بن حنى التغلبي:
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
وقال أبو طالب في شعره:
وكنا قديما لا نقر ظلامة إذا ما ثنوا صعر الرؤوس نقيمها
وقوله:( ولا تمش في الأرض مرحا ) أي:جذلا متكبرا جبارا عنيدا ، لا تفعل ذلك يبغضك الله; ولهذا قال:( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) أي:مختال معجب في نفسه ، فخور أي على غيره ، وقال تعالى:( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) [ الإسراء:37] ، وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، حدثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس بن شماس قال:ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدد فيه ، فقال:"إن الله لا يحب كل مختال فخور ". فقال رجل من القوم:والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها ، ويعجبني شراك نعلي ، وعلاقة سوطي ، فقال:"ليس ذلك الكبر ، إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمط الناس ".
ورواه من طريق أخرى بمثله ، وفيه قصة طويلة ، ومقتل ثابت ووصيته بعد موته .