وقوله:( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) ، في معنى قوله:( لمستقر لها ) قولان:
أحدهما:أن المراد:مستقرها المكاني ، وهو تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب ، وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع المخلوقات ; لأنه سقفها ، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة ، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة ، وهو فوق العالم مما يلي رءوس الناس ، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون من العرش ، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام ، وهو وقت نصف الليل ، صارت أبعد ما تكون من العرش ، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع ، كما جاءت بذلك الأحاديث .
قال البخاري:حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم [ التيمي] ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال:كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس ، فقال:"يا أبا ذر ، أتدري أين تغرب الشمس ؟ "قلت:الله ورسوله أعلم . قال:"فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فذلك قوله:( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) .
حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدثنا وكيع عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله:( والشمس تجري لمستقر لها ) ، قال:"مستقرها تحت العرش ".
كذا أورده هاهنا . وقد أخرجه في أماكن متعددة ، ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه ، من طرق ، عن الأعمش ، به .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال:كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس ، فقال:"يا أبا ذر ، أتدري أين تذهب الشمس ؟ "قلت:الله ورسوله أعلم . قال:"فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل ، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها:ارجعي من حيث جئت . فترجع إلى مطلعها ، وذلك مستقرها ، ثم قرأ:( والشمس تجري لمستقر لها )
وقال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس:"أتدري أين هذا ؟ "قلت:الله ورسوله أعلم . قال:"فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، ويقال لها:ارجعي من حيث جئت . فتطلع من مغربها ، فذلك قوله:( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر ، عن عبد الله بن عمرو قال في قوله:( والشمس تجري لمستقر لها ) ، قال:إن الشمس تطلع فتردها ذنوب بني آدم ، حتى إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فيؤذن لها ، حتى إذا كان يوم غربت فسلمت وسجدت ، واستأذنت فلا يؤذن لها ، فتقول:إن المسير بعيد وإني إلا يؤذن لي لا أبلغ ، فتحبس ما شاء الله أن تحبس ، ثم يقال لها:"اطلعي من حيث غربت ". قال:"فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها ، لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرا ".
وقيل:المراد بقوله:( لمستقر لها ) هو انتهاء سيرها وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها ، ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض .
والقول الثاني:أن المراد بمستقرها هو:منتهى سيرها ، وهو يوم القيامة ، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور ، وينتهي هذا العالم إلى غايته ، وهذا هو مستقرها الزماني .
قال قتادة:( لمستقر لها ) أي:لوقتها ولأجل لا تعدوه .
وقيل:المراد:أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها ، يروى هذا عن عبد الله بن عمرو .
وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس:"والشمس تجري لا مستقر لها "أي:لا قرار لها ولا سكون ، بل هي سائرة ليلا ونهارا ، لا تفتر ولا تقف . كما قال تعالى:( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) [ إبراهيم:33] أي:لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة .
( ذلك تقدير العزيز ) أي:الذي لا يخالف ولا يمانع ، ( العليم ) بجميع الحركات والسكنات ، وقد قدر ذلك وقننه على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس ، كما قال تعالى:( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ الأنعام:96] . وهكذا ختم آية حم السجدة "بقوله:( ذلك تقدير العزيز العليم ) [ فصلت:12] .