وقوله:( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ) يقول تعالى:ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم ، فعرفتهم عيانا ، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين سترا منه على خلقه ، وحملا للأمور على ظاهر السلامة ، ورد السرائر إلى عالمها ، ( ولتعرفنهم في لحن القول ) أي:فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم ، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه ، وهو المراد من لحن القول ، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه:ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه ، وفلتات لسانه . وفي الحديث:"ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ". وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل ، وتكلمنا على نفاق العمل والاعتقاد في أول "شرح البخاري "، بما أغنى عن إعادته هاهنا . وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين . قال الإمام أحمد:
حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن سلمة ، عن عياض بن عياض ، عن أبيه ، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو - رضي الله عنه - قال:خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"إن منكم منافقين ، فمن سميت فليقم ". ثم قال:"قم يا فلان ، قم يا فلان ، قم يا فلان ". حتى سمى ستة وثلاثين رجلا ثم قال:"إن فيكم - أو:منكم - فاتقوا الله ". قال:فمر عمر برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه ، فقال:ما لك ؟ فحدثه بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:بعدا لك سائر اليوم .