كما قال تعالى:( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ) الآية [ الحج:22] ، فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدته وأليم مسه ، ولا سبيل لهم إلى ذلك ، كلما رفعهم اللهب فصاروا في أعالي جهنم ، ضربتهم الزبانية بالمقامع الحديد ، فيردونهم إلى أسفلها ، ( ولهم عذاب مقيم ) أي:دائم مستمر لا خروج لهم منها ، ولا محيد لهم عنها .
وقد قال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يؤتى بالرجل من أهل النار ، فيقول:يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك؟ فيقول:شر مضجع . فيقول:هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا؟ "قال:"فيقول:نعم ، يا رب! فيقول:كذبت! قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل:فيؤمر به إلى النار ".
رواه مسلم والنسائي من طريق حماد بن سلمة بنحوه . وكذا رواه البخاري ومسلم من طريق معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه ، عن قتادة عن أنس به . وكذا أخرجاه من طريق أبي عمران الجوني واسمه عبد الملك بن حبيب عن أنس بن مالك به . ورواه مطر الوراق عن أنس بن مالك ورواه ابن مردويه من طريقه ، عنه .
ثم رواه ابن مردويه من طريق المسعودي عن يزيد بن صهيب الفقير ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ قال] "يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة "قال:فقلت لجابر بن عبد الله:يقول الله:( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ) قال:اتل أول الآية:( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به ) الآية ، ألا إنهم الذين كفروا .
وقد روى الإمام أحمد ومسلم هذا الحديث من وجه آخر ، عن يزيد الفقير عن جابر وهذا أبسط سياقا .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مبارك بن فضالة حدثني يزيد الفقير قال:جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدث ، فحدث أن أناسا يخرجون من النار - قال:وأنا يومئذ أنكر ذلك ، فغضبت وقلت:ما أعجب من الناس ، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد ! تزعمون أن الله يخرج ناسا من النار ، والله يقول:( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها [ ولهم عذاب مقيم] ) فانتهرني أصحابه ، وكان أحلمهم فقال:دعوا الرجل ، إنما ذلك للكفار:( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ) حتى بلغ:( ولهم عذاب مقيم ) أما تقرأ القرآن؟ قلت:بلى قد جمعته قال:أليس الله يقول:( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) ؟ [ الإسراء:79] فهو ذلك المقام ، فإن الله [ تعالى] يحتبس أقواما بخطاياهم في النار ما شاء ، لا يكلمهم ، فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم . قال:فلم أعد بعد ذلك إلى أن أكذب به .
ثم قال ابن مردويه:حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا عمرو بن حفص السدوسي حدثنا عاصم بن علي حدثنا العباس بن الفضل حدثنا سعيد بن المهلب حدثني طلق بن حبيب قال:كنت من أشد الناس تكذيبا بالشفاعة ، حتى لقيت جابر بن عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله [ تعالى] فيها خلود أهل النار ، فقال:يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم] مني؟ إن الذين قرأت هم أهلها ، هم المشركون ، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوبا فعذبوا ، ثم أخرجوا منها ثم أهوى بيديه إلى أذنيه ، فقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يخرجون من النار بعدما دخلوا ". ونحن نقرأ كما قرأت .