وقوله:( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك ، والنهي عن خلافه .
ثم قال [ تعالى] ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) أي:احذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه إليك من الأمور ، فلا تغتر بهم ، فإنهم كذبة كفرة خونة . ( فإن تولوا ) أي:عما تحكم به بينهم من الحق ، وخالفوا شرع الله ( فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) أي:فاعلم أن ذلك كائن عن قدر الله وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما عليهم من الذنوب السالفة التي اقتضت إضلالهم ونكالهم . ( وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) أي:أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم ، مخالفون للحق ناؤون عنه ، كما قال تعالى:( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف:103] . وقال تعالى:( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) [ الآية] [ الأنعام:116] .
وقال محمد بن إسحاق:حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال:قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعض:اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه ، فقالوا:يا محمد ، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن لك ، ونصدقك! فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل فيهم:( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) إلى قوله:( لقوم يوقنون ) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .