أن يفتنوك: أن يميلوا بك من الحق إلى الباطل .
نحن نأمرك أيها الرسول ،أن تحكم بينهم وفق شريعتك التي أنزلناها عليك ،فلا تتبع رغباتهم أبداً ،ولو لمصحلة في ذلك ،كتأليف قلوبهم وجذبهم إلى الإسلام .فالحق لا يوصل إليه بطريق الباطل .واحذَرهم أن يميلوا بك من الحق إلى الباطل ،كأن يصرفوك عما أُنزل إليك لتحكم بغيره .
أَخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس من زعماء اليهود: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه .فأتوه فقالوا: يا محمد ،إنك عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم وساداتهم ،وأنّا إن اتّبعناك اتبَعنا اليهودَ ولم يخالفونا .وأن بيننا وبين قومنا خصومةً ،فنخاصمهم إليك فتقضي لنا عليهم ،ونؤمن لك ونصدّقك .فأبى الرسول ذلك ،فأنزل الله عز وجل فيهم{وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله ....} الآية .
فإن أعرضوا عن حكمك يا محمد ،بعد تحاكُمهم إليك ،فاعلم أن الله إنما يريد أن يصيبهم بفساد أمورهم ،لفسادِ نفوسهم ،بسبب ذنوبهم التي ارتكبوها ،ثم يجازيهم على أعمالهم في الآخرة .
وهذا النص يسمو بالشرع الإسلامي عن غيره ،في الحكم بين الناس:
أولا- لأنه يسمو بالأحكام العادلة عن أن تكون تابعة لأوضاع الناس ،فهي حاكمة على أوضاع الناس بالخير والشر .
وثانيا: لأنه جعل باب القانون في الدولة واحداً لكل الناس ولكل الطبقات .