ثم قال:( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ) أي:هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا؟ وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات القصيرة ، فقوله:( من لعنه الله ) أي:أبعده من رحمته ( وغضب عليه ) أي:غضبا لا يرضى بعده أبدا ( وجعل منهم القردة والخنازير ) كما تقدم بيانه في سورة البقرة . وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف [ إن شاء الله تعالى]
وقد قال سفيان الثوري:عن علقمة بن مرثد ، عن المغيرة بن عبد الله ، عن المعرور بن سويد عن ابن مسعود قال:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير ، أهي مما مسخ الله [ تعالى] ؟ فقال:إن الله لم يهلك قوما - أو قال:لم يمسخ قوما - فيجعل لهم نسلا ولا عقبا وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك ".
وقد رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر كلاهما ، عن مغيرة بن عبد الله اليشكري به .
وقال أبو داود الطيالسي:حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن محمد بن زيد ، عن أبي الأعين العبدي عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود قال:سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير ، أهي من نسل اليهود؟ فقال:"لا ، إن الله لم يلعن قوما فيمسخهم فكان لهم نسل ، ولكن هذا خلق كان ، فلما غضب الله على اليهود فمسخهم ، جعلهم مثلهم ".
ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به .
وقال ابن مردويه:حدثنا عبد الباقي ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا الحسن بن محبوب ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الحيات مسخ الجن ، كما مسخت القردة والخنازير ". هذا حديث غريب جدا .
وقوله:( وعبد الطاغوت ) وقرئ ( وعبد الطاغوت ) على أنه فعل ماض ، "والطاغوت "منصوب به ، أي:وجعل منهم من عبد الطاغوت . وقرئ:( وعبد الطاغوت ) بالإضافة على أن المعنى:وجعل منهم خدم الطاغوت ، أي:خدامه وعبيده . وقرئ ( وعبد الطاغوت ) على أنه جمع الجمع:عبد وعبيد وعبد ، مثل ثمار وثمر . حكاها ابن جرير ، عن الأعمش . وحكي عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرؤها:"وعابد الطاغوت "، وعن أبي وابن مسعود:"وعبدوا "، وحكى ابن جرير ، عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤها:( وعبد الطاغوت ) على أنه مفعول ما لم يسم فاعله ، ثم استبعد معناها . والظاهر أنه لا بعد في ذلك ; لأن هذا من باب التعريض بهم ، أي:وقد عبدت الطاغوت فيكم ، وكنتم أنتم الذين تعاطوا ذلك .
وكل هذه القراءات يرجع معناها إلى أنكم يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا ، والذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادات دون [ ما] سواه ، كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر؟ ولهذا قال:( أولئك شر مكانا ) أي:مما تظنون بنا ( وأضل عن سواء السبيل )
وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشاركة ، كقوله:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) [ الفرقان:24]