وقوله:( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله ) أي:كونوا قوامين بالحق لله ، عز وجل ، لا لأجل الناس والسمعة ، وكونوا ( شهداء بالقسط ) أي:بالعدل لا بالجور . وقد ثبت في الصحيحين ، عن النعمان بن بشير أنه قال:نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة:لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاءه ليشهده على صدقتي فقال:"أكل ولدك نحلت مثله؟ "قال:لا . قال:"اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم ". وقال:"إني لا أشهد على جور ". قال:فرجع أبي فرد تلك الصدقة .
وقوله:( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) أي:لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم ، بل استعملوا العدل في كل أحد ، صديقا كان أو عدوا ; ولهذا قال:( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي:عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه . ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه ، كما في نظائره من القرآن وغيره ، كما في قوله:( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ) [ النور:28]
وقوله:( هو أقرب للتقوى ) من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء ، كما في قوله [ تعالى] ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) [ الفرقان:24] وكقول بعض الصحابيات لعمر:أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى:( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) أي:وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ; ولهذا قال بعده: