ثم قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام ، ونهي عن تعاطيه فيه . وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولد منه ومن غيره ، فأما غير المأكول من حيوانات البر ، فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها . والجمهور على تحريم قتلها أيضا ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أم المؤمنين ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم:الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ".
وقال مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح:الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ". أخرجاه .
ورواه أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مثله . قال أيوب ، قلت لنافع:فالحية؟ قال:الحية لا شك فيها ، ولا يختلف في قتلها .
ومن العلماء - كمالك وأحمد - من ألحق بالكلب العقور الذئب ، والسبع ، والنمر ، والفهد ; لأنها أشد ضررا منه ، فالله أعلم . وقال سفيان بن عيينة وزيد بن أسلم:الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلها . واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على عتبة بن أبي لهب قال:"اللهم سلط عليه كلبك بالشام "فأكله السبع بالزرقاء ، قالوا:فإن قتل ما عداهن فداها كالضبع والثعلب وهر البر ونحو ذلك .
قال مالك:وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها ، وصغار الملحق بها من السباع العوادي .
وقال الشافعي [ رحمه الله] يجوز للمحرم قتل كل ما لا يؤكل لحمه ، ولا فرق بين صغاره وكباره . وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل .
وقال أبو حنيفة:يقتل المحرم الكلب العقور والذئب ; لأنه كلب بري ، فإن قتل غيرهما فداه ، إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه . وهذا قول الأوزاعي والحسن بن صالح بن حيي .
وقال زفر بن الهذيل:يفدي ما سوى ذلك وإن صال عليه .
وقال بعض الناس:المراد بالغراب هاهنا الأبقع وهو الذي في بطنه وظهره بياض ، دون الأدرع وهو الأسود ، والأعصم وهو الأبيض ; لما رواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القطان ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خمس يقتلهن المحرم:الحية ، والفأرة ، والحدأة ، والغراب الأبقع ، والكلب العقور ".
والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك ; لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه .
وقال مالك ، رحمه الله:لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه .
وقال مجاهد بن جبر وطائفة:لا يقتله بل يرميه . ويروى مثله عن علي .
وقد روى هشيم:حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه سئل عما يقتل المحرم ، فقال:"الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، ويرمي الغراب ولا يقتله ، والكلب العقور ، والحدأة ، والسبع العادي ".
رواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل والترمذي ، عن أحمد بن منيع ، كلاهما عن هشيم . وابن ماجه ، عن أبي كريب ، عن محمد بن فضيل ، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف ، به . وقال الترمذي:هذا حديث حسن .
وقوله تعالى:( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن علية ، عن أيوب قال:نبئت عن طاوس قال:لا يحكم على من أصاب صيدا خطأ ، إنما يحكم على من أصابه متعمدا .
وهذا مذهب غريب عن طاوس ، وهو متمسك بظاهر الآية .
وقال مجاهد بن جبير:المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد ، الناسي لإحرامه . فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه ، فذاك أمره أعظم من أن يكفر ، وقد بطل إحرامه .
رواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم وغيرهما ، عنه . وهو قول غريب أيضا . والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه . قال الزهري:دل الكتاب على العامد ، وجرت السنة على الناسي ، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله:( ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ) وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ ، كما دل الكتاب عليه في العمد ، وأيضا فإن قتل الصيد إتلاف ، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان ، لكن المتعمد مأثوم والمخطئ غير ملوم .
وقوله:( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) وحكى ابن جرير أن ابن مسعود قرأها:"فجزاؤه مثل ما قتل من النعم ".
وفي قوله:( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد ، والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم ، إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي ، خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله - حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثليا أو غير مثلي ، قال:وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه ، وإن شاء اشترى به هديا . والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع ، فإنهم حكموا في النعامة ببدنة ، وفي بقرة الوحش ببقرة ، وفي الغزال بعنز ، وذكر قضايا الصحابة ، وأسانيدها مقرر في كتاب "الأحكام "، وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه ، يحمل إلى مكة . رواه البيهقي . وقوله:( يحكم به ذوا عدل منكم ) يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل ، أو بالقيمة في غير المثل ، عدلان من المسلمين ، واختلف العلماء في القاتل:هل يجوز أن يكون أحد الحكمين ؟ على قولين:أحدهما:"لا ; لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه ، وهذا مذهب مالك .
والثاني:نعم ; لعموم الآية . وهو مذهب الشافعي وأحمد .
واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكوما عليه في صورة واحدة .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا جعفر - هو ابن برقان - عن ميمون بن مهران أن أعرابيا أتى أبا بكر قال:قتلت صيدا وأنا محرم ، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر ، رضي الله عنه ، لأبي بن كعب وهو جالس عنده:ما ترى فيما قال؟ فقال الأعرابي:أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك ، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر:وما تنكر؟ يقول الله تعالى:( فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم ) فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به .
وهذا إسناد جيد ، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق ، ومثله يحتمل هاهنا . فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة ، لما رآه أعرابيا جاهلا وإنما دواء الجهل التعليم ، فأما إذا كان المعترض منسوبا إلى العلم ، فقد قال ابن جرير:
حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا وكيع بن الجراح ، عن المسعودي ، عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال:خرجنا حجاجا ، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا نتماشى نتحدث ، قال:فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي - أو:برح - فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خشاءه فركب ردعه ميتا ، قال:فعظمنا عليه ، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر رضي الله عنه ، قال:فقص عليه القصة قال:وإلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة - يعني عبد الرحمن بن عوف - فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه قال:ثم أقبل على الرجل فقال:أعمدا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل:لقد تعمدت رميه ، وما أردت قتله . فقال عمر:ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها . قال:فقمنا من عنده ، فقلت لصاحبي:أيها الرجل ، عظم شعائر الله ، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه:اعمد إلى ناقتك فانحرها ، ففعل ذاك . قال قبيصة:ولا أذكر الآية من سورة المائدة:( يحكم به ذوا عدل منكم ) قال:فبلغ عمر مقالتي ، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرة . قال:فعلا صاحبي ضربا بالدرة ، وجعل يقول:أقتلت في الحرم وسفهت الحكم؟ قال:ثم أقبل علي فقلت:يا أمير المؤمنين ، لا أحل لك اليوم شيئا يحرم عليك مني ، قال:يا قبيصة بن جابر ، إني أراك شاب السن ، فسيح الصدر ، بين اللسان ، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الحسنة ، فإياك وعثرات الشباب .
وقد روى هشيم هذه القصة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة ، بنحوه . ورواها أيضا عن حصين ، عن الشعبي ، عن قبيصة ، بنحوه . وذكرها مرسلة عن عمر:بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي وائل ، أخبرني أبو جرير البجلي قال:أصبت ظبيا وأنا محرم ، فذكرت ذلك لعمر ، فقال:ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك . فأتيت عبد الرحمن وسعدا ، فحكما علي بتيس أعفر .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن وكيع ، حدثنا ابن عيينة ، عن مخارق عن طارق قال:أوطأ أربد ظبيا فقتلته وهو محرم فأتى عمر ; ليحكم عليه ، فقال له عمر:احكم معي ، فحكما فيه جديا ، قد جمع الماء والشجر . ثم قال عمر:( يحكم به ذوا عدل منكم )
وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل أحد الحكمين ، كما قاله الشافعي وأحمد ، رحمهما الله .
واختلفوا:هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم ، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل ، وإن كان قد حكم من قبله الصحابة ، أو يكتفي بأحكام الصحابة المتقدمة؟ على قولين ، فقال الشافعي وأحمد:يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة وجعلاه شرعا مقررا لا يعدل عنه ، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين . وقال مالك وأبو حنيفة:بل يجب الحكم في كل فرد فرد ، سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا ; لقوله تعالى:( يحكم به ذوا عدل منكم )
وقوله تعالى:( هديا بالغ الكعبة ) أي:واصلا إلى الكعبة ، والمراد وصوله إلى الحرم ، بأن يذبح هناك ، ويفرق لحمه على مساكين الحرم . وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة .
وقوله:( أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) أي:إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال ، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام من الجزاء والإطعام والصيام ، كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ، وأحد قولي الشافعي ، والمشهور عن أحمد رحمهم الله ، لظاهر الآية "أو "فإنها للتخيير . والقول الآخر:أنها على الترتيب .
فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة ، فيقوم الصيد المقتول عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه وحماد وإبراهيم . وقال الشافعي:يقوم مثله من النعم لو كان موجودا ، ثم يشترى به طعام ويتصدق به ، فيصرف لكل مسكين مد منه عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز ، واختاره ابن جرير .
وقال أبو حنيفة وأصحابه:يطعم كل مسكين مدين ، وهو قول مجاهد .
وقال أحمد:مد من حنطة ، أو مدان من غيره . فإن لم يجد ، أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوما .
وقال ابن جرير:وقال آخرون:يصوم مكان كل صاع يوما . كما في جزاء المترفه بالحلق ونحوه ، فإن الشارع أمر كعب بن عجرة أن يطعم فرقا بين ستة ، أو يصوم ثلاثة أيام ، والفرق ثلاثة آصع .
واختلفوا في مكان هذا الإطعام ، فقال الشافعي:محله الحرم ، وهو قول عطاء . وقال مالك:يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد ، أو أقرب الأماكن إليه . وقال أبو حنيفة:إن شاء أطعم في الحرم ، وإن شاء أطعم في غيره .
ذكر أقوال السلف في هذا المقام:
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله:( فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) قال:إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه جزاؤه من النعم ، فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدق به . وإن لم يجد نظر كم ثمنه ، ثم قوم ثمنه طعاما ، فصام مكان كل نصف صاع يوما ، قال:( أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) قال:إنما أريد بالطعام الصيام ، أنه إذ وجد الطعام وجد جزاؤه .
ورواه ابن جرير ، من طريق جرير .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) إذا قتل المحرم شيئا من الصيد ، حكم عليه فيه . فإن قتل ظبيا أو نحوه ، فعليه شاة تذبح بمكة . فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام . فإن قتل إبلا أو نحوه ، فعليه بقرة . فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا . فإن لم يجد صام عشرين يوما . وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه ، فعليه بدنة من الإبل . فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا . فإن لم يجد صام ثلاثين يوما .
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وزاد:والطعام مد ؛ مد تشبعهم .
وقال جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي وعطاء ومجاهد:( أو عدل ذلك صياما ) قالوا:إنما الطعام لمن لا يبلغ الهدي . رواه ابن جرير .
وكذا روى ابن جريج ، عن مجاهد وأسباط ، عن السدي أنها على الترتيب .
وقال عطاء وعكرمة ومجاهد - في رواية الضحاك - وإبراهيم النخعي:هي على الخيار . وهو رواية الليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس . واختار ذلك ابن جرير ، رحمه الله تعالى .
وقوله:( ليذوق وبال أمره ) أي:أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة ( عفا الله عما سلف ) أي:في زمان الجاهلية ، لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع الله ، ولم يرتكب المعصية .
ثم قال:( ومن عاد فينتقم الله منه ) أي:ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام
قال ابن جريج ، قلت لعطاء:ما ( عفا الله عما سلف ) قال:عما كان في الجاهلية . قال:قلت:وما ( ومن عاد فينتقم الله منه ) ؟ قال:ومن عاد في الإسلام ، فينتقم الله منه ، وعليه مع ذلك الكفارة قال:قلت:فهل في العود حد تعلمه؟ قال:لا . قال:قلت:فترى حقا على الإمام أن يعاقبه؟ قال:لا هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله ، عز وجل ، ولكن يفتدي . رواه ابن جرير .
وقيل معناه:فينتقم الله منه بالكفارة . قاله سعيد بن جبير وعطاء .
ثم الجمهور من السلف والخلف ، على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء ، ولا فرق بين الأولى والثانية وإن تكرر ما تكرر ، سواء الخطأ في ذلك والعمد .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:من قتل شيئا من الصيد خطأ ، وهو محرم ، يحكم عليه فيه كلما قتله ، وإن قتله عمدا يحكم عليه فيه مرة واحدة ، فإن عاد يقال له:ينتقم الله منك كما قال الله عز وجل .
وقال ابن جرير:حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي جميعا ، عن هشام - هو ابن حسان - عن عكرمة عن ابن عباس فيمن أصاب صيدا فحكم عليه ثم عاد ، قال:لا يحكم عليه ، ينتقم الله منه .
وهكذا قال شريح ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي . رواهن ابن جرير ، ثم اختار القول الأول .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا العباس بن يزيد العبدي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن زيد أبي المعلى ، عن الحسن البصري ; أن رجلا أصاب صيدا ، فتجوز عنه ، ثم عاد فأصاب صيدا آخر ، فنزلت نار من السماء فأحرقته فهو قوله:( ومن عاد فينتقم الله منه )
وقال ابن جرير في قوله:( والله عزيز ذو انتقام ) يقول عز ذكره:والله منيع في سلطانه لا يقهره قاهر ، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه ، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع ; لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره ، له العزة والمنعة .
وقوله:( ذو انتقام ) يعني:أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه .