قال تعالى:( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) أي:بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة ، وإن أنكروها ، في الدنيا أو في الآخرة ، كما قال قبل هذا بيسير ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم )
ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا ، وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه ، كما قال تعالى مخبرا عن موسى أنه قال لفرعون:( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) الآية [ الإسراء:102] . قال تعالى مخبرا عن فرعون وقومه:( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) [ النمل:14] .
ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين الذين كانوا يظهرون للناس الإيمان ويبطنون الكفر ، ويكون هذا إخبارا عما يكون يوم القيامة من كلام طائفة من الكفار ، ولا ينافي هذا كون هذه [ السورة] مكية ، والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فقد ذكر الله وقوع النفاق في سورة مكية وهي العنكبوت ، فقال:( وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ) [ العنكبوت:11] ; وعلى هذا فيكون إخبارا عن حال المنافقين في الدار الآخرة ، حين يعاينون العذاب يظهر لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنون من الكفر والشقاق والنفاق ، والله أعلم .
وأما معنى الإضراب في قوله:( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) فهم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان ، بل خوفا من العذاب الذي عاينوه جزاء ما كانوا عليه من الكفر ، فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا من النار ; ولهذا قال:( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) أي:في تمنيهم الرجعة رغبة ومحبة في الإيمان .
ثم قال مخبرا عنهم:إنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا ، لعادوا لما نهوا عنه [ من الكفر والمخالفة] ( وإنهم لكاذبون ) أي:في قولهم:( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين )