( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )
يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ( وإما تخافن من قوم ) قد عاهدتهم ( خيانة ) أي:نقضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود ، ( فانبذ إليهم ) أي:عهدهم ( على سواء ) أي:أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم ، وهم حرب لك ، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء ، أي:تستوي أنت وهم في ذلك ، قال الراجز:
فاضرب وجوه الغدر [ الأعداء]
حتى يجيبوك إلى السواء
وعن الوليد بن مسلم أنه قال في قوله:( فانبذ إليهم على سواء ) أي:على مهل ، ( إن الله لا يحب الخائنين ) أي:حتى ولو في حق الكافرين ، لا يحبها أيضا .
قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن أبي الفيض ، عن سليم بن عامر ، قال:كان معاوية يسير في أرض الروم ، وكان بينه وبينهم أمد ، فأراد أن يدنو منهم ، فإذا انقضى الأمد غزاهم ، فإذا شيخ على دابة يقول:الله أكبر [ الله أكبر] وفاء لا غدرا ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:ومن كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى ينقضي أمدها ، أو ينبذ إليهم على سواء قال:فبلغ ذلك معاوية ، فرجع ، وإذا الشيخ عمرو بن عبسة ، رضي الله عنه .
وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة وأخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان في صحيحه من طرق عن شعبة ، به ، وقال الترمذي:حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد أيضا:حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري ، حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري عن سلمان - يعني الفارسي - رضي الله عنه -:أنه انتهى إلى حصن - أو:مدينة - فقال لأصحابه:دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم ، فقال:إنما كنت رجلا منهم فهداني الله - عز وجل - للإسلام ، فإذا أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، وإن أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون ، فإن أبيتم نابذناكم على سواء ، ( إن الله لا يحب الخائنين ) يفعل بهم ذلك ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها بعون الله .