القول في تأويل قوله تعالى:قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)
قال أبو جعفر:وهذا خبر من الله عن إجابته لموسى صلى الله عليه وسلم وهارون دعاءهما على فرعون وأشراف قومه وأموالهم. يقول جل ثناؤه:(قال) الله لهما:(قد أجيبت دعوتكما) ، في فرعون وملئه وأموالهم.
* * *
فإن قال قائل:وكيف نسبت "الإجابة "إلى اثنين و "الدعاء "، إنما كان من واحد ؟
قيل:إن الداعي وإن كان واحدًا ، فإن الثاني كان مؤمِّنًا، وهو هارون، فلذلك نسبت الإجابة إليهما، لأن المؤمِّن داعٍ. (1) وكذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
17847- حدثني محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن رجل، عن عكرمة في قوله:(قد أجيبت دعوتكما) ، قال:كان موسى يدعو، وهارون يؤمن، فذلك قوله:(قد أجيبت دعوتكما).
* * *
وقد زعم بعض أهل العربية ، أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين، وأنشد في ذلك:(2)
فَقُلْـــتُ لِصَــاحِبي لا تُعْجَلانَــا
بِــنزعِ أُصُولِــهِ وَاجْــتَزَّ شِـيحَا (3)
* * *
17848- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قال:(قد أجيبت دعوتكما) قال:دعا موسى، وأمن هارون.
17849- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي وزيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب قال:دعا موسى، وأمَّن هارون.
17850-. . . . قال:حدثنا أبو معاوية، عن شيخ له، عن محمد بن كعب قال:دعا موسى وأمّن هارون.
17851- حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال:(قد أجيبت دعوتكما) ، قال:دعا موسى، وأمن هارون.
17852- قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد، وعبد الله بن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قال:دعا موسى وأمَّن هارون، فذلك قوله:(قد أجيبت دعوتكما).
17853- حدثنا الحسن بن يحيى قال:أخبرنا عبد الرزاق قال:أخبرنا الثوري، عن رجل، عن عكرمة في قوله:"قد أجيبت دعوتكما "قال:كان موسى يدعو وهارون يؤمّن، فذلك قوله:(قد أجيبت دعوتكما).
17854- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال:قال ابن عباس:(قد أجيبت دعوتكما) لموسى وهارون،قال ابن جريج:قال عكرمة:أمّن هارون على دعاء موسى فقال الله:(قد أجيبت دعوتكما فاستقيما).
17855- حدثني يونس قال:أخبرنا ابن وهب قال:قال ابن زيد:كان هارون يقول:آمين فقال الله:(قد أجيبت دعوتكما) فصار التأمين دعوة صار شريكه فيها.
* * *
وأما قوله:(فاستقيما) ، فإنه أمرٌ من الله تعالى لموسى وهارون بالاستقامة والثبات على أمرهما ، من دعاء فرعون وقومه إلى الإجابة إلى توحيد الله وطاعته، إلى أن يأتيهم عقاب الله الذي أخبرهما أنه أجَابَهما فيه ، (4) كما:-
17856- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، قال:قال ابن جريج، قال ابن عباس:(فاستقيما):فامضيا لأمري، وهي الاستقامة،قال ابن جريج:يقولون:إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة. (5)
* * *
وقوله:(ولا تتبعانّ سبيل الذين لا يعلمون) ، (6) يقول:ولا تسلكانّ طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي، فتستعجلان قضائي، فإن وعْدي لا خلف له، وإن وعيدي نازلٌ بفرعون وعذابي واقع به وبقومه.
-------------------------
الهوامش:
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1:478 .
(2) هو مضرس بن ربعى الأسدي .
(3) الصاحبي:186 ، ابن يعيش 10:49 ، واللسان ( جزز ) ، وسيأتي في التفسير 26:103 ، ( بولاق ) . من كلمة له ، لم أجدها مجموعة في مكان ، ومنها أبيات في حماسة ابن الشجري 27 ، 204 ، يقولها في الشواء ، يقول قبل البيت:
وَفِتْيَــانٍ شَــوَيْتُ لَهُــمْ شِــوَاءً
سَــريعَ الشَّــيِّ كـنْتُ بِـهِ نَجِيحَـا
فَطِــرْتُ بِمُنْصُــلِي فـي يَعْمَـلاَتٍ
دَوَامِــي الأَيْــدِ يَخْـبِطْنَ السَّـرِيحَا
وقُلْــتُ لِصَــاحِبي:لا تَحْبِسَــانَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويروى "لا تحبسنا "، ولا شاهد فيها ، ويروى "واجدز "( بتشديد الزاي ) وقلب "التاء دالا ، ورواية الطبري الآتية:"لا تحبسانا "أيضًا .
"النجيح ":المجد السريع . واليعملات:النوق . و"الدوامي ":قد دميت أيديها من طول السير وشدته . و"السريح ":خرق أو جلود تشد على أخفاف الإبل إذا دميت . ويقول لصاحبه:لا تحبسنا عن الشيء،أو:لا تجعلنا نعجل عليك بالدعاء ، بطول تلبثك في نزع الحطب من أصوله ، بل خذ ما من تيسر قضبانه وعيدانه ، وائتنا به لنشوي .
(4) انظر تفسير "الاستقامة "، فيما سلف من فهارس اللغة ( قوم ) .
(5) هكذا في المطبوعة والدر المنثور:"بعد هذه الدعوة "، وفي المخطوطة:"بعد هذه الآية "، إلا أن "الآية "سيئة الكتابة .
(6) انظر تفسير "اتبع "و "السبيل "فيما سلف من فهارس اللغة ( اتبع ) ، ( سبل ) . وما سيأتي بعد قليل في تفسير الآية التالية .