وقد لا يكون النبي موسى( ع ) في موقف المنفعل الذي يريد أن يعالج المسألة بالدعاء المتحرك من موقع المأزق الذي يحيط به ،بل كانت القضية أن التجارب قد استنفدت معهم ،وأنهم يقفون في الطريق ليمنعوا الرسالة من أن تتحرك في خط الدعوة ،وفي مجال تحقيق الأهداف ،وليعطلوا حركة الحرية في نفوس المستضعفين من خلال دعوة النبي ،وذلك بالضغوط المباشرة تارةً ،وبالضغوط غير المباشرة أخرى ،فلم يكن هناك مجال إلا بالقضاء عليهم ،لتبقى الساحة خاليةً من الحواجز الصعبة التي تمنع الانطلاق ،لئلا تنسحق أمام حالات الشلل والجمود الذي أريد لها أن تنسحق أمامها .وهكذا كان ،فقد أوحى الله إلى موسى وهارون بما يريد{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} وسيحل العذاب بفرعون وجماعته ،فاستقيما في موقع القوّة الجديد الذي ستحصلان عليه بعد إهلاك الطاغوت ،وتابعا المسيرة في الخط الذي أراد الله لكما أن تسيرا عليه ،لأن الإنسان قد يضعف أمام السلطة ،فيترك ما كان يدعو إليه ،ويستسلم للدوافع الذاتية والمؤثرات الشيطانية إذا لم ينفتح على الله في كل الأحوال ،{وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} طريق الحق ،ولا يهتدون إلى غايات الخير والعدل والإيمان .
وذلك هو أسلوب التربية القرآنية ،الذي يوحي بأن من الضروري متابعة الإيحاء للدعاة إلى الله بالحذر من الانحراف ،بعيداً عن أيّة حالةٍ ذاتيةٍ ،مما يمكن للناس أن يجعلوه مانعاً عن توجيه النصح ،من عظمة الشخصية ،وحجم الموقع ،لأن المسألة لا تتصل بمستوى الذات ،بل ترتبط بضخامة التحديات التي قد تزلزل الإنسان ،وقد تهوي به إلى مكانٍ سحيقٍ .ولا نريد في هذا المجال أن نتحدث عن قصة العصمة التي تمنع النبي عن الانحراف مما يمنع من توجيه النصح إليه في هذا الاتجاه ،لأننا نحسب أن تأديب الله لرسله ،هو أحد المؤثرات في العصمة التي تمنحهم مناعة الموقف وقوّة الالتزام .وقد لا تفوتنا الملاحظة في أسلوب القرآن ،الذي يعبِّر دائماً عن الكافرين والظالمين بأنهم لا يعلمون ،ما يعني أن مشكلة هؤلاء أنهم لم ينفتحوا على الحقيقة ،من موقع جهل ،أو من موقع غفلةٍ وتمرّدٍ ،فقد لا يعرفون الحق مباشرة ،وقد لا يعرفون نتائج البعد عنه عندما يختار الإنسان لنفسه ذلك .