القول في تأويل قوله تعالى:قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:يا نوح، اهبط من الفلك إلى الأرض (15)
(بسلام منا) ، يقول:بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا (16)، (وبركات عليك) ، يقول:وببركات عليك (17)، (وعلى أمم ممن معك) ، يقول:وعلى قرون تجيء من ذرية من معك من ولدك. فهؤلاء المؤمنون من ذرية نوح الذين سبقت لهم من الله السعادة ، وبارك عليهم قبل أن يخلقهم في بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم. ثم أخبر تعالى ذكره نوحًا عما هو فاعل بأهل الشقاء من ذريته، فقال له:(وأمم) ، يقول:وقرون وجماعة (18)، (سنمتعهم) في الحياة في الدنيا ، يقول:نرزقهم فيها ما يتمتعون به إلى أن يبلغوا آجالهم (19)، (ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، يقول:ثم نذيقهم إذا وردوا علينا عذابًا مؤلمًا موجعًا. (20)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18250- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي:(قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) ، إلى آخر الآية، قال:دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، ودخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة.
18251- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي:(قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك)، قال:دخل في الإسلام كل مؤمن ومؤمنة، وفي الشرك كل كافر وكافرة. (21)
18252- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك ، قراءةً عن ابن جريج:(وعلى أمم ممن معك) ، يعني:ممن لم يولد. قد قضى البركات لمن سبق له في علم الله وقضائه السعادة، (وأمم سنمتعهم) ، من سبق له في علم الله وقضائه الشِّقوة. (22)
18253- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج بنحوه،إلا أنه قال:(وأمم سنمتعهم) ، متاع الحياة الدنيا، ممن قد سبق له في علم الله وقضائه الشقوة. قال:ولم يهلك الوَلَد يوم غرق قوم نُوح بذنب آبائهم ، كالطير والسباع، ولكن جاء أجلهم مع الغرق.
18254- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم) ، قال:هبطوا والله عنهم راض، هبطوا بسلام من الله. كانوا أهل رحمة من أهل ذلك الدهر، ثم أخرج منهم نسلا بعد ذلك أممًا، منهم من رحم، ومنهم من عذب. وقرأ:(وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم) ، وذلك إنما افترقت الأمم من تلك العصابة التي خرجت من ذلك الماء وسلمت.
18255- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:(يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) ، الآية، يقول:بركات عليك وعلى أمم ممن معك لم يولدوا، أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة، (وأمم سنمتعهم) ، يعني:متاع الحياة الدنيا، (ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة.
18256- حدثني المثني قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن:أنه كان إذا قرأ "سورة هود "، فأتى على:(يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك) ، حتى ختم الآية، قال الحسن:فأنجى الله نوحًا والذين آمنوا، وهلك المتمتعون ! حتى ذكر الأنبياء كل ذلك يقول:أنجاه الله وهلك المتمتعون.
18257- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، قال:بعد الرحمة.
18258- حدثنا العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، اخبرنا عبد الله بن شوذب قال، سمعت داود بن أبي هند يحدث ، عن الحسن:أنه أتى على هذه الآية:(اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، قال:فكان ذلك حين بعث الله عادًا، فأرسل إليهم هودًا، فصدقه مصدقون ، وكذبه مكذبون ، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجّى الله هودًا والذين آمنوا معه، وأهلك الله المتمتعين، ثم بعث الله ثمود، فبعث إليهم صالحًا، فصدقه مصدقون وكذبه مكذبون، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجى الله صالحًا والذين آمنوا معه وأهلك الله المتمتعين. ثم استقرأ الأنبياء نبيًّا نبيًّا ، على نحو من هذا.
-------------------------
الهوامش:
(15) انظر تفسير "الهبوط "فيما سلف 12:329 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
(16) انظر تفسير "السلام "فيما سلف من فهارس اللغة ( سلم ) .
(17) في المطبوعة والمخطوطة:"وبركات عليه "، مرة أخرى ، ولم يفسرها أيضًا ، فإن لم يكن سقط من التفسير شيء ، فالصواب ما أثبت بزيادة الباء ، دلالة على العطف على ما قبله .
(18) انظر تفسير "الأمة "فيما سلف ص:252 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
(19) انظر تفسير "المتاع "فيما سلف من فهارس اللغة ( متع ) .
(20) انظر تفسير "المس "فيما سلف ص:256 ، تعليق:3 ، والمراجع هناك .
(21) في المطبوعة:"دخل في السلام "، غير ما في المخطوطة ، وأساء .
(22) في المطبوعة "الشقاوة "، وأثبت ما في المخطوطة ، هنا وفي سائر المواضع الآتية .