/م48
{ قيل يا نوح اهبط بسلام منا} أي قال الله عز وجل الذي بيده ملكوت كل شيء وعالم الغيب والشهادة ومدبر أمر العالم كله لنوح بعد انتهاء أمر الطوفان ، وإقلاع السماء عن إمطارها ، وابتلاء الأرض لمائها ، وإمكان السكنى والعمل على ظهرها:يا نوح اهبط من السفينة أو من الجودي الذي استوت عليه إلى الصفصف المستوي منها ، ملابسا أو مزودا وممتعا بسلام من عظمتنا ورحمتنا الربانية وهو التحية والسلامة من الفتن والعداوة التي أحدثها المشركون الظالمون فيها .
{ وبركات} في المعايش وسعة الرزق فائضة{ عليك وعلى أمم ممن معك} أي وعلى من معك الآن في السفينة وعلى ذريات يتناسلون منهم ويتفرقون في الأرض ، فيكونون أمما مستقلا بعضهم دون بعض ، وهم ممتعون بهذا السلام المعنوي والبركات المادية ، ويجوز أن يشمل لفظ الأمم ما كان مع نوح من أنواع الحيوان فقد قال تعالى:{ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} [ الأنعام:38] .
{ وأمم سنمتعهم} أي وثم أمم آخرون من بعدهم سنمتعهم في الدنيا بأرزاقها وبركاتها دون السلام الرباني ، الممنوح من الألطاف الرحماني ، لسليمي الفطرة من المؤمنين ، فإن أولئك سيغويهم الشيطان الرجيم ، ويزين لهم الشرك بربهم ، والظلم والبغي فيما بينهم ،{ ثم يمسهم منا عذاب أليم} في الدنيا والآخرة لأنهم لا يحافظون على السلام الذي كان عليه من قبلهم ، بل يبغي بعضهم على بعض لتفرقهم واختلافهم في هداية الدين ، التي نبعث بها المرسلين ، كما وقع لك مع قومك الأولين .
هذا هو المتبادر من معنى هذه الآية ، وما بيناه في تفسير ما قبلها من آيات القصة هو المتبادر من مدلول ألفاظها الفصيحة نصا واقتضاء الموافق لسنن الله تعالى في الأمم ، فهي لا تحتمل كثرة الآراء التي قرنت بها ، لولا كثرة الروايات الغريبة التي غشيتها حتى ما لا يقبله اللفظ ولا الشرع ولا العقل منها ، وسنبين مجامع العبرة فيها .
/خ49