قال أبو جعفر:يقول عزّ ذكره:وقال الذين كفروا بالله لرسلهم الذين أرسلوا إليهم ، حين دعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له ، وفراق عبادة الآلهة والأوثان ( لنخرجنَّكم من أرضنا ) ، يعنون:من بلادنا فنطردكم عنها ( أو لتعودن في مِلّتنا ) ، يعنون:إلا أن تَعُودوا في دِيننا الذي نحن عليه من عبادة الأصنام. (9)
* * *
وأدخلت في قوله:( لتعودُنَّ ) "لام "، وهو في معنى شرطٍ ، كأنه جواب لليَمين ، وإنما معنى الكلام:لنخرجَنكم من أرضنا ، أو تعودون في ملتنا . (10)
* * *
ومعنى "أو "ههنا معنى "إلا "أو معنى "حتى "كما يقال في الكلام:"لأضربنك أوْ تُقِرَّ لي"، فمن العرب من يجعل ما بعد "أو "في مثل هذا الموضع عطفًا على ما قبله ، إن كان ما قبله جزمًا جزموه ، وإن كان نصبًا نصبوه ، وإن كان فيه "لام "جعلوا فيه "لاما "، (11) إذ كانت "أو "حرف نَسق. ومنهم من ينصب "ما "بعد "أو "بكل حالٍ ، ليُعْلَم بنصبه أنه عن الأول منقطع عما قبله ، كما قال امرؤ القيس:
بَكَـى صَـاحِبِي لَمَّـا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ
وَأَيْقَــنَ أَنَّـــا لاحِقَــانِ بِقَيْصَـرَا
فَقُلْــتُ لَـهُ:لا تَبْــكِ عَيْنُـكَ إِنَّمَـا
نُحَــاوِلُ مُلْكًــا أَوْ نَمُـوتَ فَنُعْـذَرَا (12)
فنصب "نموت فنعذرا "وقد رفع "نحاول "، لأنه أراد معنى:إلا أن نموتَ ،أو حتى نموتَ ، ومنه قول الآخر:(13)
لا أَسْــتَطِيعُ نزوعًـا عَـنْ مَوَدَّتِهَـا
أَوْ يَصْنَـعَ الْحُـبُّ بِي غَيْرَ الَّذِي صَنَعَا (14)
وقوله:( فأوحَى إليهم ربُّهم لنُهلكنَّ الظالمين ) ، الذين ظلموا أنفسهم ، (15) فأوجبوا لها عقاب الله بكفرهم. وقد يجوز أن يكون قيل لهم:"الظالمون "لعبادتهم من لا تجوز عبادته من الأوثان والآلهة ، (16) فيكون بوضعهم العبادةَ في غير موضعها ، إذ كان ظلمًا ، سُمُّوا بذلك. (17)
------------------------
الهوامش:
(9) انظر تفسير "الملة "فيما سلف:101 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك ، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:336 .
(10) في المطبوعة:"أو تعودن "، والصواب من المخطوطة .
(11) في المطبوعة:"إن كان فيه لامًا "، ، خطأ ، صوابه في المخطوطة .
(12) ديوانه:65 من قصيدته الغالية التي قالها في مسيرة إلى قيصر مستنصرًا به بعد قتل أبيه . وصاحبه الذي ذكره ، هو عمرو بن قميئة اليشكري الذي استصحبه إلى قيصر ، و "الدرب ". ما بين طرسوس وبلاد الروم .
(13) هو الأحوص بن محمد الأنصاري ، وينسب أحيانًا للمجنون .
(14) الأغاني 4:299 ، وديوان المجنون:200 ، وخرج أبيات الأحوص ، ولدنا الأستاذ عادل سليمان ، فيما جمعه من شعر لأحوص ، ولم يطبع بعد .
(15) انظر تفسير:"أوحى "فيما سلف 6:405/9:399 / 11:217 ، 290 ، 371 ، 533 .
(16) انظر تفسير "الظلم "فيما سلف 1:523 ، 524 / 2:369 ، 519 / 4:584 / 5:384 ، وغيرها في فهارس اللغة .
(17) في المطبوعة كتب:"سموا بذلك ظالمين "، زاد ما لا محصل له ، إذ لم يألف عبارة أبي جعفر ، فأظلمت عليه .