القول في تأويل قوله تعالى:الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
[قال أبو جعفر]:
.............................................................................
.............................................................................
* * *
6232 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال:حدثنا معتمر، عن أيمن بن نابل، قال:حدثني شيخ من غافق:أن أبا الدرداء كان ينظر إلى الخيل مربوطةً بين البرَاذين والهُجْن. فيقول:أهل هذه - يعني الخيل- من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هُمْ يحزَنون. (45) .
* * *
وقال آخرون:عنى بذلك قومًا أنفقوا في سبيل الله في غير إسراف ولا تقتير.
* ذكر من قال ذلك:
6233 - حدثنا بشر، قال:حدثنا يزيد، قال:حدثنا سعيد، عن قتادة &; 5-602 &; قوله:"الذين ينفقون أموالهم "إلى قوله:"ولا هم يحزنون "، هؤلاء أهلُ الجنة.
ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:المكثِرون هم الأسفلون. قالوا:يا نبيّ الله إلا مَنْ؟ قال:المكثرون هم الأسفلون، قالوا:يا نبيّ الله إلا مَنْ؟ قال:المكثرون هم الأسفلون. قالوا:يا نبيّ الله، إلا مَنْ؟ حتى خشوا أن تكون قد مَضَت فليس لها رَدّ، حتى قال:"إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله، وهكذا بين يديه، وهكذا خلفه، وقليلٌ ما هُمْ [قال]:(46) هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله التي افترض وارتضى، في غير سَرَف ولا إملاق ولا تَبذير ولا فَساد "(47) .
* * *
وقد قيل إنّ هذه الآيات من قوله:"إن تُبدوا الصدقات فنعمَّا هي"إلى قوله:"ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، كان مما يُعملَ به قبل نـزول ما في"سورة براءة "من تفصيل الزَّكوات، فلما نـزلت "براءة "، قُصِروا عليها.
* ذكر من قال ذلك:
6234 - حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"إن تبدوا الصدقات فنعمَّا هي"إلى قوله:"ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، فكان هذا يُعمل به قبل أن تنـزل "براءة "، فلما نـزلت "براءة "بفرائض الصَّدقات وتفصيلها انتهت الصّدَقاتُ إليها.
* * *
---------------------------
(45) الأثر:6232 -"أيمن بن نابل الحبشي"أبو عمران المكي ، نزيل عسقلان ، مولي آل أبي بكر . روي عن قدامة بن عبدالله العامرى ، وعن أبيه نابل ، والقاسم بن محمد ، وطاوس . وروى عنه موسى بن عقبة ، وهو من أقرانه ، ومعتمر بن سليمان ، ووكيع وابن مهدي ، وعبدالرزاق ، وغيرهم . وهو ثقة ، وكان لا يفصح ، فيه لكنه . وعاش إلى خلافة المهدي . مترجم في التهذيب .
والبراذين جمع برذون (بكسر الباء وسكون الراء وفتح الذال وسكون الواو):وهو ما كان من الخيل من نتاج غير العراب ، وهو دون الفرس وأضعف منه . والهجن جمع هجين:وهو من الخيل الذي ولدته برذونة من حصان غير عربي ، وهي دون العرب أيضًا ، ليس من عتاق الخيل ، وكلاهما معيب عندهم .
(46) ما بين القوسين ، زيادة لا بد منها ، فإن هذا الكلام الآتي ولا شك من كلام قتادة ، وكذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور 1:363 قال:"وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة . . . "، وساق هذا الشطر الآتي من هذا الأثر . وأما صدره ، فهو خبر مرسل كسائر الأخبار السالفة .
(47) قوله:"إملاق"هو من قولهم:"ملق الرجل ما معه ملقًا ، وأملقه إملاقًا"، إذا أنفقه وأخرجه من يده ولم يحبسه وبذره تبذيرًا . والفقر تابع للإنفاق والتبذير ، فاستعملوا لفظ السبب في موضع المسبب ، فقالوا:"أملق الرجل إملاقًا"، إذا افتقر فهو"مملق"أي فقير لا شيء معه .