{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ} بحيث يتحول الإنفاق في حياتهم إلى نهج في حركة الشخصية من خلال ما يتمثلونه في نظرتهم إلى الواقع في مشاكله ومآسيه ،وفي مسؤولياتهم تجاه ذلك ،مما حمّلهم الله من واجباتٍ وحقوقٍ للناس المحرومين ،فلا يتركونه في أي وقت ،حتى أنهم يبادرون إلى السير في الليل ليتحركوا من أجل سدّ حاجة النائمين ،فيطرقون عليهم بيوتهم ،أو يرسلون إليهم من يحمل إليهم الصدقات من موقع الاهتمام المستمر{سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} تبعاً للطبيعة الاجتماعية للمسألة بالنظر إلى مواقع الناس أو مواقع الخير في مناسبات الإسرار والإعلان{فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لأن الله يحب عباده الذين يتحركون في حل مشاكل خلقه من أجل إيجاد التوازن الاجتماعي في الحاجات ،الذي يتحول إلى توازنٍ عمليٍ في المواقف ،وهؤلاء هم الذين يتطلعون إلى الله في كل ما يفيضون به من عطاء ،وما يقفونه من مواقف ،طلباً لما عنده من الأجر ،فلا تثقلهم خسائر الدنيا مما يفقدونه من المال في العطاء ،لأنهم يستهدفون بذلك الحصول على أرباح الآخرة في رضوان الله والوصول إلى الطمأنينة الروحية والسرور القلبي والنعيم الخالد .
ماذا نستوحي من هذه الآيات ؟
وبعد ذلك كله ،ماذا نستوحي من هذه الآيات ؟
إننا نلاحظ فيها إلحاحاً كبيراً على قيمة الإنفاق في الإسلام في حدوده الإنسانية التي تثير في داخل الذات مشاعر الخير في علاقتها بالآخرين ،بحيث تحفظ لهم حقوقهم في العيش الكريم الذي يلتقون فيه بحاجاتهم الأساسية في نطاق التعاون الإيماني ،وتحافظ على كرامتهم في إبقاء إنسانيتهم حرّةً كريمة أمام ضغوط الحرمان والحاجة إلى الآخرين .ذلك هو خط الإسلام في الحياة ،أن تعيش العطاء السمح من موقع إنسانيتك التي تحمل مسؤولية الحفاظ على إنسانية الآخرين ،وذلك هو ما نستوحيه من حديث أمير المؤمنين( ع ): «إن الله يحب المرء المسلم الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه » .وبذلك يمكن للفكرة أن تتسع لكل طاقة تملكها ،ولا يملك الآخرون مثلها ،مما يجعلك موضع حاجة الآخرين إليك ،سواء في ذلك طاقة المال والقوة والخبرة والعلم بجميع مجالاته ،فإن عليك من قاعدة إسلامك ،أن تقدمها إليهم في نطاق مشاعر الرحمة الإنسانية التي ترى في الطاقة المميزة نعمةً من الله عليك ،ومسؤوليةً تحملها لمن يحتاج إليك ،من دون أن تخلق عندك عقدة الفوقية التي تثير في نفسك الشعور بالاستعلاء ،لأن القضية هي أنها ملك الله وهبته ،كما أنك ملك الله وعطيّته ،فلا فضل لك في أن تعطي ملك الله لعباده .وتلك هي قصة الطاقات الحية في المجتمع المسلم ،في حركة العطاء السمح الذي تتحرك فيه المسؤولية والإنسانية والنعمة والإيمان في مسار واحد يلتقي فيه الإنسان بالله عندما يلتقي بالحياة .