القول في تأويل قوله:قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(قل)، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنامَ =(إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم)، يقول:قل لهم إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم, هو دين الله الذي ابتعثه به, وذلك الحنيفية المسلمة, فوفقني له (74) =(دينًا قيمًا)، يقول:مستقيمًا =(ملة إبراهيم)، يقول:دين إبراهيم (75) =(حنيفًا) يقول:مستقيمًا =(وما كان من المشركين)، يقول:وما كان من المشركين بالله, يعني إبراهيم صلوات الله عليه, لأنه لم يكن ممن يعبد الأصنام .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله:(دينًا قيمًا).
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض البصريين:"دِينًا قَيِّمًا "بفتح "القاف "وتشديد "الياء "، إلحاقًا منهم ذلك بقول الله:ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ[سورة التوبة:36 / سورة يوسف:40 / سورة الروم:30]. وبقوله:وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[سورة البينة:5].
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين:( دِينًا قِيَمًا ) بكسر "القاف "وفتح "الياء "وتخفيفها. وقالوا:"القيِّم "و "القِيَم "بمعنى واحد, وهم لغتان معناهما:الدين المستقيم .
* * *
قال أبو جعفر:والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار, متفقتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب مصيبٌ, غير أن فتح "القاف "وتشديد "الياء "أعجب إليّ, لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما .
* * *
ونصب قوله:(دينًا) على المصدر من معنى قوله:(إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم)، وذلك أن المعنى:هداني ربي إلى دين قويم, فاهتديت له "دينا قيما "= فالدين منصوب من المحذوف الذي هو "اهتديت "، الذي ناب عنه قوله:(إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) .
* * *
وقال بعض نحويي البصرة:إنما نصب ذلك، لأنه لما قال:(هداني ربي إلى صراط مستقيم)، قد أخبر أنه عرف شيئًا, فقال:"دينًا قيمًا "، كأنه قال:عرفت دينًا قيما ملّة إبراهيم .
* * *
وأما معنى الحنيف, فقد بينته في مكانه في"سورة البقرة "بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (76)
--------------------
الهوامش:
(74) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) . = وتفسير (( صراط مستقيم )) فيما سلف ص:288 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
(75) انظر تفسير (( الملة )) فيما سلف 2:563 / 3:104 / 9:250 .
(76) انظر تفسير (( الحنيف )) فيما سلف 3:104 - 108 / 6:494 / 9:250 ، 251 / 11:487 .