القول في تأويل قوله:انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:انظر، يا محمد، فاعلم، كيف كذَب هؤلاء المشركون العادلون بربهم الأوثانَ والأصنامَ، في الآخرة عند لقاء الله = على أنفسهم بقيلهم:"والله يا ربنا ما كنا مشركين ",واستعملوا هنالك الأخلاق التي كانوا بها يتخلّقون في الدنيا، (28) من الكذب والفرية .
* * *
ومعنى "النظر "في هذا الموضع، النظر بالقلب، لا النظر بالبصر. وإنما معناه:تبين فاعلم كيف كذبوا في الآخرة .
* * *
وقال:"كذبوا ",ومعناه:يكذبون, لأنه لما كان الخبر قد مضى في الآية قبلها، صار كالشيء الذي قد كانَ ووُجد .
* * *
="وضل عنهم ما كانوا يفترون "، يقول:وفارقهم الأنداد والأصنام، وتبرءوا منها, فسلكوا غير سبيلها، لأنها هلكت, [وأعيد الذين كانوا يعبدونها اجتراء] , (29) ثم أخذوا بما كانوا يفترونه من قيلهم فيها على الله، وعبادتهم إياها، وإشراكهم إياها في سلطان الله, فضلت عنهم, وعوقب عابدُوها بفريتهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى "الضلال "، الأخذ على غير الهدى. (30)
* * *
وقد ذكر أن هؤلاء المشركين يقولون هذا القول عند معاينتهم سَعةَ رحمة الله يومئذ.
ذكر الرواية بذلك:
13140 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عمرو, عن مطرّف, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير قال:أتى رجلٌ ابنَ عباس فقال:سمعت الله يقول:وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ, (31) وقال في آية أخرى:وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، [سورة النساء:42] ؟ قال ابن عباس:أما قوله:وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فإنه لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام:قالوا:"تعالوا نجحد "، فقالوا:"وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ"، فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم،"وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ". (32)
13141 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، قال:قول أهل الشرك، حين رأوا الذنوب تغفر, ولا يغفر الله لمشرك ="انظر كيف كذبوا على أنفسهم "، بتكذيب الله إياهم .
13142- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .
13143 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله:وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، ثم قال:وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، [سورة النساء:42] ، بجوارحهم .
13144 - حدثنا ابن وكيع, قال ، حدثنا أبي, عن حمزة الزيات, عن رجل يقال له هشام, عن سعيد بن جبير:"ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين "، قال:حلفوا واعتذروا, قالوا:"والله ربنا ". (33)
13145- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان, عن سعيد بن جبير قال، أقسموا واعتذروا:"والله ربنا ".
13146- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع, عن حمزة الزيات, عن رجل يقال له هشام, عن سعيد بن جبير، بنحوه .
13147- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية, عن سفيان بن زياد العُصْفري, عن سعيد بن جبير في قوله:"والله ربنا ما كنا مشركين "والله:لما أمر بإخراج رجال من النار من أهل التوحيد, قال من فيها من المشركين:"تعالوا نقول:لا إله إلا الله, لعلنا نخرج مع هؤلاء ". قال:فلم يصدَّقوا . قال:فحلفوا:"والله ربنا ما كنا مشركين ". قال:فقال الله:"انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ". (34)
13148 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة:"وضل عنهم ما كانوا يفترون "أي:يشركون. (35)
13149- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا المنهال بن عمرو, عن سعيد عن جبير, عن ابن عباس في قوله:وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، قال:لما رأى المشركون أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم, قالوا:تعالوا إذا سئلنا قلنا:"والله ربنا ما كنا مشركين ". فسئلوا, فقالوا ذلك, فختم الله على أفواههم، وشهدت عليهم جوارحهم بأعمالهم, فودَّ الذين كفروا حين رأوا ذلك:"لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا ".
13150- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا مسلم بن خلف, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال:يأتي على الناس يوم القيامة ساعة، لما رأوا أهلُ الشرك أهلَ التوحيد يغفر لهم (36) فيقولون:"والله ربنا ما كنا مشركين "، قال:"انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون ". (37)
13151- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز, قال حدثنا سفيان عن رجل, عن سعيد بن جبير:أنه كان يقول:"والله ربِّنا ما كنا مشركين "، يخفضها. قال:أقسموا واعتذروا = قال الحارث قال، عبد العزيز, قال سفيان مرة أخرى:حدثني هشام, عن سعيد بن جبير .
------------------------
الهوامش:
(28) في المطبوعة:"بها متخلقين"، وفي المخطوطة:"بها متخلقون"، وهذا صواب قراءتها.
(29) هكذا جاء في المطبوعة ما وضعته بين القوسين ، وهو في المخطوطة:"وعبدوا الذين كانوا يعبدونها إصرا"، غير منقوطة. ولم أهتد إلى الصواب ، وأخشى أن يكون سقط من الكلام سطر أو بعضه ، فلذلك آثرت أن أضع ما في المطبوعة بين قوسين ، ولأني في ريبة من أمره.
(30) انظر تفسير"الضلال"فيما سلف 10:124 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك.
(31) في المطبوعة:"أتى رجل ابن عباس فقال ، قال الله:والله ربنا . . ."، أما المخطوطة ففيها خرم ، كان فيها:"أتى رجل ابن عباس وقال في آية أخرى"، ولذلك تصرف ناشر المطبوعة. والذي أثبته هو الصواب ، وهو نص الأثر الذي رواه أبو جعفر قديمًا ، كما سيأتي في التخريج. وقد صححت حروفًا في هذا الخبر من الأثر السالف ولم أشر إليها هنا.
(32) الأثر:13140 - مضى هذا الخبر برقم:9520 (ج 8:373).هذا وقد اختصر أبو جعفر أخبار ابن عباس هذه ، فإنه روى هناك خبرين آخرين رقم:9521 ، 9522 ، تبين منهما أن السائل هو نافع بن الأزرق ، وكان يأتي ابن عباس ليلقى عليه متشابه القرآن. وهذا من ضروب اختصار أبي جعفر في تفسيره هذا. وأيضًا فإنه سيأتي هنا آثار في تفسير آية سورة النساء:42 (ج 8:371 - 375) لم يذكرها هناك ، كما سترى في الآثار التالية.
(33) الأثر:13144 -"هشام"، الذي يروي عنه"حمزة الزيات"، لم أعرفه.
(34) الأثر:13147 -"سفيان بن زياد العصفري"، مضى برقم:2331.
(35) في المطبوعة:"يشركون به"بالزيادة ، وأثبت ما في المخطوطة.
(36) في المطبوعة:"لما رأى أهل الشرك"، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو لغة من لغات العرب جائزة.
(37) الأثر:13150 -"مسلم بن خلف"، لم أجد له ترجمة ، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف.