قوله:{ انظر كيف كذبوا على أنفسهم} جعل حالهم المتحدّث عنه بمنزلة المشاهد ،لصدوره عمّن لا خلاف في أخباره ،فلذلك أمر سامعه أو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بما يدلّ على النظر إليه كأنّه مشاهد حاضر .
والأظهر أنّ{ كيف} لمجرّد الحال غير دالّ على الاستفهام .والنظر إلى الحالة هو النظر إلى أصحابها حين تكيّفهم بها .وقد تقدّمت له نظائر منها قوله تعالى:{ انظر كيف يفترون على الله الكذب} في سورة[ النساء: 50] .وجعل كثير من المفسّرين النظر هنا نظراً قلبياً فإنّه يجيء كما يجيء فعل الرؤية فيكون معلّقاً عن العمل بالاستفهام ،أي تأمّل جواب قول القائل: كيف يفترون على الله الكذب تجده جواباً واضحاً بيّناً .
ولأجل هذا التحقّق من خبر حشرهم عبّر عن كذبهم الذي يحصل يوم الحشر بصيغة الماضي في قوله:{ كذبوا على أنفسهم} .وكذلك قوله{ وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} .
وفعل ( كذب ) يعدّى بحرف ( على ) إلى من يخبّر عنه الكاذب كذباً مثل تعديته في هذه الآية ،وقول النبي صلى الله عليه وسلم{ من كذب عليّ معتمداً فليتبوّأ مقعده من النار} ،وأمّا تعديته إلى من يخبره الكاذب خبراً كذباً فبنفسه ،يقال: كذبك ،إذا أخبرك بكذب .
وضلّ بمعنى غاب كقوله تعالى:{ ضلَلْنا في الأرض}[ السجدة: 10] ،أي غيّبنا فيها بالدفن .و{ ما} موصولة و{ يفترون} صلتها ،والعائد محذوف ،أي يختلقونه وماصْدق ذلك هو شركاؤهم .والمراد: غيبة شفاعتهم ونصرهم لأنّ ذلك هو المأمول منهم فلمّا لم يظهر شيء من ذلك نُزّل حضورهم منزلة الغيبة ،كما يقال: أُخِذتَ وغاب نصيرك ،وهو حاضر .