{انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} ويوجّه الله الخطاب إلى النبي محمد( ص ) أو إلى كل ناظر ،ليستعرض بوعيه ما يمثله الشرك من ضعف أمام الحق ،فيضطر أصحابه إلى الكذب ومحاولة الهروب ،فقد{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وعاشوا حالة هروب من أنفسهم ،وهروب من أفكارهم ،وتلك هي الخسارة الكبرى ،أن يفقد الإنسان نفسه وفكره ،ليصبح مجرد شبح ضائعٍ تتلاقفه ظلمات التيه من كل جانب ،من دون أن يصل إلى أية نتيجة إيجابية على مستوى المصير .
من وحي الآيات
ونستوحي من ذلك أن على الناس الذين يستسلمون للرموز الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي قد تملك بعض مظاهر القوة أو بعض أوضاعها ،فيطيعونهم في معصية الله ،ويستغرقون في ذلك كله تماماً كاستغراق العبيد بالآلهة ،ثم تتبدل الأمور وتتغير ويتحول هؤلاء «الطواغيت » أو الأقوياء إلى أناس عاديين لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً ،ويقف الناس الذين سقطوا أمامهم في عملية استسلام وانبطاح ليواجهوا الموقف الجديد في حالة الإحباط النفسي والاجتماعي ،ليدخلوا في دائرة الاعتذار والتبرير ،لأنهم لا يريدون أن يتحملوا المسؤولية بما عملوه وما تحركوا فيه .إن مثل هذا الاختلاف بين البداية والنهاية في الآخرة كما في الدنيا ،يفرض على الإنسان الوعي لمواقفه على أساس حسابات العواقب ،حتى لا يقف في نهاية المطاف الموقف الصعب الذي يواجه فيه دمار كل شيء بناه في ماضيه ليجد نتيجة ذلك في مستقبله .
إن البدايات لا تمثل معنى حركة الإنسان في الحياة ،لأنها قد تتحوّل إلى نهايات مأساوية ،لذلك لا بد للإنسان من أن يدرس طبيعة النهاية إذا أراد أن يبدأ طريقه في نقطة البداية .