{ انظر كيف كذبوا على أنفسهم} وأجيب عن الإيراد بأن المراد أنهم كذبوا على أنفسهم في دار الدنيا بزعمهم أنهم اتخذوا شفعاء يشفعون لهم عند الله وأن هذا تعظيم لله لا كفر به .ويرد هذا القول تصريح مشركي قريش بأن ما كانوا عليه شرك ولكن بعضهم كان يرى أنه لا بأس به لأنه بمشيئة الله ، وهؤلاء كجبرية المسلمين ، وقد أنكر القرآن عليهم هذه الشبهة في قوله من هذه السورة:{ وقال الذين أشركوا لو شاء ما أشركنا} [ الأنعام:148] الخ نعم إن كثيرا ممن يسمون مسلمين يدعون غير الله تعالى حتى في حال الشدة والضيق التي كان مشركو العرب يخلصون فيها الدعاء لله تعالى ، ولكنهم لا يسمون هذا شركا كما كان يسميه المشركون ، بل توسلا أو استشفاعا أو وساطة .
وقوله تعالى هنا:{ انظر} من النظر العقلي ؛ وكذب الكفار في الآخرة ثابت بمثل قوله تعالى:{ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون} [ المجادلة:18] .
قال الزجاج:تأويل هذه الآية حسن في اللغة لا يعرفه إلا من وقف على معاني كلام العرب ، وذلك أنه تعالى بين كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين في حبه ، فذكر أن عاقبة كفرهم – الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه وافتخروا به وقالوا إنه دين آبائنا – لم تكن إلا الجحود والتبرأ منه والحلف على عدم التدين به .ومثاله أن ترى إنسانا يحب شخصا مذموم الطريقة فإذا وقع في محنة بسببه تبرأ منه ، فيقال له:ما كانت محبتك – أي عاقبة محبتك – لفلان إلا أن تبرأت منه وتركته .فعلى هذا تكون فتنتهم هي شركهم في الدنيا كما فسرها ابن عباس ، ولكن لا بد من تقدير مضاف وهو العاقبة .