الآية الثّالثة ،ومن أجل أن يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول: ( اُنظر كيف كذبوا على أنفسهم ) .
وتنهار المساند التي اختاروا الاستناد عليها وجعلوها شريكة لله ،وخابوا في مسعاهم ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) .
لابدّ هنا من ملاحظة النقاط التّالية:
1لا شك أنّ المقصود بعبارة «انظر » هو النظر بعين العقل ،لا بالعين الباصرة إذا لا يمكن أن ترى مشاهد يوم القيامة رأي العين في هذه الدنيا .
2وقوله سبحانه: ( وكذبوا على أنفسهم ) إمّا أن يعني أنّهم خدعوا أنفسهم في الدنيا وخرجوا عن طريق الحقّ ،وإمّا أن يراد منه يوم القيامة حيث يقسمون على أنّهم لم يكونوا مشركين ،والحقيقة أنّهم بهذا يكذبون على أنفسهم ،فقد كانوا مشركين فعلا .
3يبقى سؤال آخر ،وهو أنّ الآية المذكورة تفيد أنّ المشركين ينكرون شركهم يوم القيامة مع أنّ ظروف يوم القيامة لا يمكن أن تسمح لأحد أن يجانب الصدق وهو يرى تلك الحقائق الحسية ،كما لو كان أحد يريد أن يغطي على الشمس في رابعة النهار ،ليقول كذباً: إنّ الدنيا ظلام ،ثمّ إن هناك آيات أُخرى تفيد بأنّهم يوم القيامة يعترفون صراحة بشركهم ولا يخفون أمراً: ( ولا يكتمون الله حديثاً ){[1154]} .
يمكن أن نذكر لهذا السؤال جوابين:
أوّلا: ليوم القيامة مراحل ،ففي المراحل الأُولى يظن المشركون أنّهم بالكذب يستطيعون التملص من عذاب الله الأليم ،لذلك يرجعون إِلى عادتهم القديمة في التوسل بالكذب ،ولكن في المراحل التّالية يدركون أن لا مهرب لهم أبداً ،فيعترفون بأعمالهم .
يبدو أنّ الأستار يوم القيامة ترفعبالتدريجعن عين الإِنسان ،وفي البدايةعندما لا يكون المشركون قد درسوا ملفات أعمالهم جيداً بعديركنون إِلى الكذب ،ولكن في المراحل التّالية حيث ترتفع فيها الأستار أكثر ويرون كل شيء حاضراً ،لا يجدون مندوحة عن الاعتراف تماماً ،مثل المجرمين الذين ينكرون كل شيء في بداية التحقيق ،حتى معرفتهم بأصدقائهم ...ولكنّهم عندما يرون الأدلة المادية والمستندات الحيّة التي تفضح جريمتهم ،يدركون أنّ الأمر من الوضوح بحيث لا يحتمل الإِنكار ،فيعترفون ويدلون بإِفادة كاملة ،وقد ورد هذا الجواب في حديث عن أمير المؤمنين علي( عليه السلام ){[1155]} .
وثانياً: إِنّ الآية المذكورة تتحدث عمّن لا يرى نفسه مشركاً مثل المسيحيين الذين قالوا بالآلهة الثلاثة واعتقدوا أنّهم موحدون ،أو مثل الذين يدّعون التوحيد ،لكن أعمالهم ملوثة بالشرك ،لأنّهم كانوا يعرضون عن تعاليم الأنبياء ،ويعتمدون على غير الله وينكرون ولاية أولياء الله ...هؤلاء يقسمون يوم القيامة على أنّهم كانوا موحدين ،ولكنّهم سرعان ما يدركون أنّهم في الباطن كانوا مشركين ،هذا الجواب أيضاً قد ورد في عدد من الرّوايات نقلا عن الإِمام علي( عليه السلام ) والإِمام الصادق( عليه السلام ){[1156]} .
وكلا الجوابين مقبولان .