التّفسير
حجب لا تقبل الاختراق:
في هذه الآية إِشارة إِلى الوضع النفسي لبعض المشركين ،فهم لا يبدون أية مرونة تجاه سماع الحقائق ،بل أكثر من ذلكيناصبونها العداء ،ويقذفونها بالتهم ،فيبعدون أنفسهم وغيرهم عنها ،عن هؤلاء تقول الآية: ( ومنهم من يستمع إِليك وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً ){[1157]} .
في الواقع كانت عقولهم وأفكارهم منغمسة في التعصب الجاهلي الأعمى ،وفي المصالح المادية والأهواء ،بحيث أصبحت وكأنّها واقعة تحت الأستار والحواجز ،فلا هم يسمعون حقيقة من الحقائق ،ولا هم يدركون الأُمور إِدراكاً صحيحاً .
سبق أن قلنا مراراً أنّ نسبة هذه الأُمور إِلى الله ،إِنّما هو إِشارة إِلى قانون «العلة والمعلول » وخاصية «العمل » ،أي أنّ أثر الاستمرار في الانحراف والإِصرار على المعاندة والتشاؤم يظهر في اتصاف نفس الإِنسان بهذه المؤثرات ،وفي تحولها إِلى مثل المرآة المعوجة التي تعكس صور الأشياء معوجة منحرفة ،لقد أثبتت التجربة أنّ المنحرفين والمذنبين يحسون أوّل الأمر بعدم الرضا عن حالهم ،ولكنّهم يعتادون ذلك بالتدريج ،وقد يصل بهم الأمر إِلى اعتبار أعمالهم القبيحة لازمة وضرورية ،وبتعبير آخر: هذا واحد من أنواع العقاب الذي يناله المصّرون على العصيان ومعاداة الحقّ .
وهؤلاء وصلوا حدّاً تصفه الآية فتقول: ( وإِن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) ،بل الأكثر من ذلك أنّهم عندما يأتون إِليك ،لا يفتحون نوافذ قلوبهم أمام ما تقول ،ولا يأتونعلى الأقلبهيئة الباحث عن الحقّ الذي يسعى للعثور على الحقيقة والتفكير فيها ،بل يأتون بروح وفكر سلبيين ،ولا هدف لهم سوى الجدل والاعتراض: ( حتى إِذا جاؤوك يجادلونك ) أنّهم عند سماعهم كلامك الذي يستقى من ينابيع الوحي ويجري على لسانك الناطق بالحقّ ،يبادرون إِلى اتهامك بأنّ ما تقوله إِنّما هو خرافات اصطنعها أُناس غابرون: ( يقول الذين كفروا إِن هذا إلا أساطير الأولين ) .