وقوله:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) يقول جلّ ثناؤه:وإن يكاد الذين كفروا يا محمد يَنْفُذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك. وقد قيل:إنه عُنِيَ بذلك:وإن يكان الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد، ويصرعونك، كما تقول العرب:كاد فلان يصرعني بشدة نظره إليّ، قالوا:وإنما كانت قريش عانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوه بالعين، فنظروا إليه ليعينوه، وقالوا:ما رأينا رجلا مثله، أو إنه لمجنون، فقال الله لنبيه عند ذلك:وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ).
وبنحو الذي قلنا في معنى (لَيُزْلِقُونَكَ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال:ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) يقول:يُنْفُذونك بأبصارهم من شدّة النظر، يقول ابن عباس:يقال للسهم:زَهَق السهم أو زلق.
حدثني عليّ، قال:ثنا أبو صالح، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) يقول:لَيَنْفُذونك بأبصارهم.
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) يقول:ليزهقونك بأبصارهم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال:ثنا هشيم، قال:أخبرنا معاوية، عن إبراهيم، عن عبد الله أنه كان يقرأ:( وَإنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْهِقُونَكَ ).
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في، قوله:(لَيُزْلِقُونَكَ ) قال:لينفذونك بأبصارهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله:(لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) قال:ليزهقونك، وقال الكلبي ليصْرَعونك.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) لينفذونك بأبصارهم معاداة لكتاب الله، ولذكر الله.
حُدثت عن الحسين، قال:سمعت أبا معاذ يقول:ثنا عبيد، قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) يقول:يَنْفذونك بأبصارهم من العداوة والبغضاء.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(لَيُزْلِقُونَكَ ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة ( لَيَزْلِقُونَكَ ) بفتح الياء من زلقته أزلقه زَلْفًا. وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة (لَيُزْلِقُونَكَ ) بضم الياء من أزلقه يُزْلِقه.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان في العرب متقاربتا المعنى؛ والعرب تقول للذي يحْلِق الرأس:قد أزلقه وزلقه، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله:(لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) يقول:لما سمعوا كتاب الله يتلى (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) يقول تعالى ذكره:يقول هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم إن محمدا لمجنون، وهذا الذي جاءنا به من الهذيان الذي يَهْذِي به في جنونه.