وقوله:( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما:( ليزلقونك ) لينفذونك بأبصارهم ، أي:ليعينونك بأبصارهم ، بمعنى:يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك ، وحمايته إياك منهم . وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق ، بأمر الله ، عز وجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة .
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:قال أبو داود:حدثنا سليمان بن داود العتكي ، حدثنا شريك ( ح ) ، وحدثنا العباس العنبري ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا شريك ، عن العباس بن ذريح ، عن الشعبي قال العباس:عن أنس قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ ". لم يذكر العباس العين . وهذا لفظ سليمان .
حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه:قال أبو عبد الله ابن ماجه:حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي جعفر الرازي ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن بريدة بن الحصيب قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا رقية إلا من عين أو حمة ".
هكذا رواه ابن ماجه وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، عن سعيد بن منصور ، عن هشيم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عامر الشعبي ، عن بريدة موقوفا ، وفيه قصة ، وقد رواه شعبة ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن بريدة . قاله الترمذي وروى هذا الحديث الإمام البخاري من حديث محمد بن فضيل وأبو داود من حديث مالك بن مغول ، والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ، ثلاثتهم عن حصين ، عن عامر ، عن الشعبي ، عن عمران بن حصين موقوفا .
حديث أبي جندب بن جنادة:قال الحافظ أبو يعلى الموصلي رحمه الله:حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البرند السامي ، حدثنا ديلم بن غزوان ، حدثنا وهب بن أبي دبي ، عن أبي حرب ، عن أبي ذر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن العين لتولع الرجل بإذن الله ، فيتصاعد حالقا ، ثم يتردى منه "إسناده غريب ، ولم يخرجوه .
حديث حابس التميمي:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حرب ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني حية بن حابس التميمي:أن أباه أخبره:أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا شيء في الهام ، والعين حق ، وأصدق الطيرة الفأل ".
وقد رواه الترمذي ، عن عمرو بن علي ، عن أبي غسان يحيى بن كثير ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير به ثم قال غريب . قال وروى شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن حية بن حابس عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت:كذلك رواه الإمام أحمد ، عن حسن بن موسى ، وحسين بن محمد ، عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير ، عن حية ، حدثه عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا بأس في الهام ، والعين حق ، وأصدق الطيرة الفأل ".
حديث ابن عباس:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، عن دويد ، حدثني إسماعيل بن ثوبان ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"العين حق ، العين حق ، تستنزل الحالق "غريب .
طريق أخرى:قال مسلم في صحيحه:حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا وهيب ، عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين ، وإذا اغتسلتم فاغسلوا ". انفرد به دون البخاري .
وقال عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول:"أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة "، ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام ".
أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال به .
حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف رضي الله عنه:"قال ابن ماجه:حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف قال:مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل ، فقال:لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة ، فما لبث أن لبط به ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له:أدرك سهلا صريعا . قال:"من تتهمون به ؟ ". قالوا:عامر بن ربيعة . قال:"علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ". ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه ، وداخلة إزاره ، وأمره أن يصب عليه .
قال سفيان:قال معمر ، عن الزهري:وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه .
وقد رواه النسائي من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس كلاهما عن الزهري به . ومن حديث سفيان بن عيينة أيضا عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة:ويكفأ الإناء من خلفه . ومن حديث ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف عن أبيه ، به . ومن حديث مالك أيضا ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه ، به .
حديث أبي سعيد الخدري:قال ابن ماجه:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنس ، فلما نزل المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك .
ورواه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن إياس أبي مسعود الجريري به ، وقال الترمذي:حسن .
حديث آخر عنه:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي ، حدثني عبد العزيز بن صهيب ، حدثني أبو نضرة ، عن أبي سعيد:أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:اشتكيت يا محمد ؟ قال:"نعم ". قال:باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس وعين يشفيك ، باسم الله أرقيك .
ورواه عن عفان ، عن عبد الوارث مثله . ورواه مسلم وأهل السنن - إلا أبا داود - من حديث عبد الوارث به .
وقال الإمام أحمد أيضا:حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد - أو:جابر بن عبد الله ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى ، فأتاه جبريل فقال:باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من كل حاسد وعين الله يشفيك .
ورواه أيضا ، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، عن داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد به .
قال أبو زرعة الرازي:روى عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه ، عن عبد العزيز ، عن أبي نضرة ، وعن عبد العزيز ، عن أنس في معناه ، وكلاهما صحيح .
حديث أبى هريرة:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه قال:هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن العين حق ".
أخرجاه من حديث عبد الرزاق .
وقال ابن ماجه:حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن الجريري ، عن مضارب بن حزن ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"العين حق ". تفرد به .
ورواه أحمد ، عن إسماعيل بن علية ، عن سعيد الجريري به .
وقال الإمام أحمد ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا ثور - يعني ابن يزيد - عن مكحول ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "العين حق ، ويحضرها الشيطان ، وحسد ابن آدم "
وقال أحمد:حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس:سئل أبو هريرة:هل سمعت رسول الله يقول:الطيرة في ثلاث:في المسكن والفرس والمرأة ؟ قال:قلت:إذا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أصدق الطيرة الفأل ، والعين حق ".
حديث أسماء بنت عميس:قال الإمام أحمد:حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر ، عن عبيد بن رفاعة الزرقي قال:قالت أسماء:يا رسول الله ، إن بني جعفر تصيبهم العين ، أفأسترقي لهم ؟ قال:"نعم ، فلو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين ".
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به ، ورواه الترمذي أيضا والنسائي من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة ، عن أسماء بنت عميس ، به وقال الترمذي:حسن صحيح .
حديث عائشة ، رضي الله عنها:قال ابن ماجه:حدثنا علي بن أبي الخصيب ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ومسعر ، عن معبد بن خالد ، عن عبد الله بن شداد ، عن عائشة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين .
ورواه البخاري ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد به . وأخرجه مسلم من حديث سفيان ومسعر كلاهما عن معبد به ثم قال ابن ماجه:
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو هشام المخزومي ، حدثنا وهيب ، عن أبي واقد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استعيذوا بالله فإن النفس حق ". تفرد به
وقال أبو داود:حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت:كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المعين .
حديث سهل بن حنيف:قال الإمام أحمد:حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا أبو أويس ، حدثنا الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف:أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة ، حتى إذا كانوا بشعب الخرار - من الجحفة - اغتسل سهل بن حنيف - وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب ، وهو يغتسل ، فقال:ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة ، فلبط سهل ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له:يا رسول الله ، هل لك في سهل . والله ما يرفع رأسه ولا يفيق . قال:"هل تتهمون فيه من أحد؟ ". قالوا:نظر إليه عامر بن ربيعة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا ، فتغيظ عليه ، وقال:"علام يقتل أحدكم أخاه ، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ "، ثم قال له:"اغتسل له "- فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح - ثم صب ذلك الماء عليه . يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ، ثم يكفأ القدح وراءه ، ففعل ذلك ، فراح سهل مع الناس ، ليس به بأس .
حديث عامر بن ربيعة:"قال الإمام أحمد في مسند عامر:حدثنا وكيع حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن عيسى ، عن أمية بن هند بن سهل بن حنيف ، عن عبد الله بن عامر قال:انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل ، قال:فانطلقا يلتمسان الخمر - قال:فوضع عامر جبة كانت عليه من صوف ، فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل . قال:فسمعت له في الماء فرقعة ، فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته . قال:فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر إلى بياض ساقيه ، قال:فضرب صدره بيده ثم قال:"اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها ". قال:فقام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا رأى أحدكم من أخيه ، أو من نفسه أو من ماله ، ما يعجبه ، فليبرك ، فإن العين حق ".
حديث جابر:قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده:حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري - ويقال له:ابن الضجيع ، ضجيع حمزة رضي الله عنه - حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس ".
قال البزار:يعني العين . قال ولا نعلم يروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد .
قلت:بل قد روي من وجه آخر عن جابر ; قال الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشكر - في كتاب العجائب ، وهو مشتمل على فوائد جليلة وغريبة:حدثنا الرهاوي ، حدثنا يعقوب بن محمد ، حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"العين حق ، لتورد الرجل القبر ، والجمل القدر ، وإن أكثر هلاك أمتي في العين ".
ثم رواه عن شعيب بن أيوب ، عن معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد تدخل الرجل العين في القبر ، وتدخل الجمل القدر ".
حديث عبد الله بن عمرو:"قال الإمام أحمد:حدثنا قتيبة ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن الحسن بن ثوبان ، عن هشام بن أبي رقية ، عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا عدوى ولا طيرة ، ولا هامة ولا حسد ، والعين حق ". تفرد به أحمد .
حديث عن علي:روى الحافظ ابن عساكر من طريق خيثمة بن سليمان الحافظ ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا عبد الله بن عبد الله بن عبد ربه البصري ، عن أبي رجاء ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ؛ أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتما ، فقال:يا محمد ، ما هذا الغم الذي أراه في وجهك ؟ قال:"الحسن والحسين أصابتهما عين ". قال:صدق بالعين ، فإن العين حق ، أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات ؟ قال:"وما هن يا جبريل ؟ ". قال:قل:اللهم ذا السلطان العظيم ، ذا المن القديم ، ذا الوجه الكريم ، ولي الكلمات التامات ، والدعوات المستجابات ، عاف الحسن والحسين من أنفس الجن ، وأعين الإنس ، فقالها النبي صلى الله عليه وسلم فقاما يلعبان بين يديه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عوذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ ، فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله ".
قال الخطيب البغدادي:تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبيد الله الحيطي من أهل تستر . ذكره ابن عساكر في ترجمة "طراد بن الحسين "، من تاريخه .
وقوله:( ويقولون إنه لمجنون ) أي:يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم ، ويقولون:( إنه لمجنون ) أي:لمجيئه بالقرآن