وقوله:( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( بِضَنِينٍ ) بالضاد، بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علَّمه الله، وأنـزل إليه من كتابه. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين ( بِظَنِينٍ ) بالظاء، بمعنى أنه غير متهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء.
ذكر من قال ذلك بالضاد، وتأوّله على ما وصفنا من التأويل من أهل التأويل:
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا عبد الرحمن، قال:ثنا سفيان، عن عاصم، عن زِرّ( وَما هوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال:الظَّنين:المتهم. وفي قراءتكم:( بِضَنِينٍ ) والضنين:البخيل، والغيب:القرآن .
حدثنا بشر، قال:ثنا خالد بن عبد الله الواسطي، قال:ثنا مغيرة، عن إبراهيم ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) ببخيل .
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) قال:ما يضنّ عليكم بما يعلم .
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) قال:إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا، فبذله وعلَّمه ودعا إليه، والله ما ضنّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال:في قراءتنا بمتهم، ومن قرأها( بِضَنِينٍ ) يقول:ببخيل .
حدثنا مهران، عن سفيان ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) قال:ببخيل .
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد في قوله:( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) الغيب:القرآن، لم يضنّ به على أحد من الناس أدّاه وبلَّغه، بعث الله به الروح الأمين جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأدّى جبريل ما استودعه الله إلى محمد، وأدّى محمد ما استودعه الله وجبريل إلى العباد، ليس أحد منهم ضَنَّ، ولا كَتَم، ولا تَخَرَّص .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك بالظاء، وتأوّله على ما ذكرنا من أهل التأويل.
حدثنا أبو كُرَيب، قال:ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه قرأ:( بظَنينٍ ) قال:ليس بمتهم .
حدثنا ابن المثنى، قال:ثنا محمد بن جعفر، قال:ثنا شعبة، عن أبي المعلَّى، عن سعيد بن جُبير أنه كان يقرأ هذا الحرف ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) فقلت لسعيد بن جُبير:ما الظنين؟ قال:ليس بمتهم .
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جُبير أنه قرأ:( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قلت:وما الظنين؟ قال:المتهم .
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) يقول:ليس بمتهم على ما جاء به، وليس يظنّ بما أوتي .
حدثنا بشر، قال:ثنا خالد بن عبد الله الواسطيّ، قال:ثنا المغيرة، عن إبراهيم ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال:بمتهم .
حدثنا أبو كُرَيب، قال:ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن زِرّ( وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) قال:الغَيب:القرآن. وفي قراءتنا( بِظَنِينٍ ) متهم .
حُدثت عن الحسين، قال:سمعت أبا معاذ يقول:ثنا عبيد، قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:( بِظَنِينٍ ) قال:ليس على ما أنـزل الله بمتهم .
وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية أن معناه:وما هو على الغيب بضعيف، ولكنه محتمِل له مطيق، ووجهه إلى قول العرب للرجل الضعيف:هو ظَنُون.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب:ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك ( بِضَنِينٍ ) بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها. فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك:تأويل من تأوّله، وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنـزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه.