{ وما هو على الغيب بضنين} أي ببخيل .
قال مجاهد ما يضن عليكم بما يعلم أي لا يبخل بالتعليم والتبليغ وقال الفراء يأتيه غيب السماء وهو شيء نفيس فلا يبخل به عليكم وقال أبو علي الفارسي المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلوانا وقرىء ( بظنين ) بالظاء أي ما هو بمتهم على ما يخبر به من الغيب .
قال القاشاني لامتناع استيلاء شيطان الوهم وجن التخيل عليه فيخلط كلامه ويمتزج المعنى القدسي بالوهمي والخيالي لأن عقله صفي عن شوب الوهم والمعنى أنه صادق فيما يخبر به من الوحي واليوم الآخر والجزاء ليس من شأنه أن يتهم فيه كما قال هرقل{[7379]} لأبي سفيان وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ،فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله .
تنبيه قال اين جرير{[7380]} وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة وإن اختلف قراءتهم به وذلك{ بضنين} بالضاد لأن ذلك كله كذلك في خطوطها فأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من تأوله ( وما محمد على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه ) انتهى ،واختار أبو عبيدة القراءة بالظاء لوجهين:أحدهما أن الكفار لم يبخلوه وإنما اتهموه فنفي التهمة أولى من نفي البخل .
وثانيهما قوله{ على الغيب} ولو كان المراد البخل لقال ( بالغيب ) لأنه يقال فلان ضنين بكذا وقلما يقال على كذا .
وقال الشهاب قال في ( النشر ) هو بالضاد في جميع المصاحف ولا ينافي هذا قول أبي عبيدة إن الضاد والظاء في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى زيادة يسيرة قد تشتبه وهو كما قال ويعرفه من قرأ الخط المسند .وليس فيه اتهام لنقلة المصاحف كما توهم لأن ما نقلوه موافق القراءة المتواترة ولا بد مما ذكره أبو عبيدة لأنهم اشترطوا في القراءات موافقة الرسم العثماني ولولاه كانت قراءة الظاء مخالفة له انتهى .
قال ابن كثير وكلتا القراءتين متواترة ومعناها صحيح كما تقدم