ثم بين- سبحانه- جانبا من أحواله بعد أن دخل السجن فقال:وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ....
والفتيان:تثنية فتى، وهو من جاوز الحلم ودخل في سن الشباب.
قالوا:وهذان الفتيان كان أحدهما:خبازا للملك وصاحب طعامه وكان الثاني:ساقيا للملك، وصاحب شرابه.
وقد أدخلهما الملك السجن غضبا عليهما، لأنهما اتهما بخيانته.
والجملة الكريمة عطف على كلام محذوف يفهم من السياق، والتقدير بعد أن بدا للعزيز وحاشيته سجن يوسف. نفذا ما بدا لهم فسجنوه، ودخل معه في السجن فتيان من خدم الملك «قال أحدهما» وهو ساقى الملك ليوسف- عليه السلام-:
«إنى أرانى أعصر خمرا» أى:إنى رأيت فيما يرى النائم. أنى أعصر عنبا ليصير خمرا.
سماه بما يؤول إليه.
«وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه» أى:وقال الثاني وهو خباز الملك، إنى رأيت في المنام أنى أحمل فوق رأسى سلالا بها خبز، وهذا الخبز تأكل الطير منه وهو فوق رأسى.
والضمير المجرور في قوله:نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يعود إلى المرئي في المنام أى:أخبرنا بتفسير ما رأيناه في منامنا، إذ نراك ونعتقدك من القوم الذين يحسنون تأويل الرؤى، كما أننا نتوسم فيك الخير والصلاح، لإحسانك إلى غيرك، من السجناء الذين أنت واحد منهم.
وقبل أن يبدأ يوسف- عليه السلام- في تأويل رؤياهما، أخذ يمهد لذلك بأن يعرفهما بنفسه، وبعقيدته، ويدعوهما إلى عبادة الله وحده ويقيم لهما الأدلة على ذلك ...
وهذا شأن المصلحين العقلاء المخلصين لعقيدتهم الغيورين على نشرها بين الناس، إنهم يسوقون لغيرهم من الكلام الحكيم ما يجعل هذا الغير يثق بهم، ويقبل عليهم، ويستجيب لهم..