ثم ذكر- سبحانه- بعض من جاء بعد قوم نوح فقال:وَعاداً وَثَمُودَ أى:ودمرنا وأهلكنا قوم عاد بسبب تكذيبهم لنبيهم هود- عليه السلام-، كما أهلكنا قوم ثمود بسبب تكذيبهم لنبيهم صالح- عليه السلام-.
وقوله- تعالى-:وَأَصْحابَ الرَّسِّ معطوف على ما قبله. أى:وأهلكنا أصحاب الرس. كما أهلكنا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود.
والرس في لغة العرب:البئر التي لم تبن بالحجارة، وقيل:البئر مطلقا، ومنه قول الشاعر:
وهم سائرون إلى أرضهم ... فيا ليتهم يحفرون الرساسا
أى:فيا ليتهم يحفرون الآبار.
وللمفسرين في حقيقة أصحاب الرس أقوال:فمنهم من قال إنهم من بقايا قبيلة ثمود، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه ورسّوه في تلك البئر أى:ألقوا به فيها، فأهلكهم الله- تعالى-.
وقيل:هم قومه كانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شعيبا- عليه السلام- فكذبوه فبينما هم حول الرس- أى البئر- فانهارت بهم، وخسف الله- تعالى- بهم الأرض.
وقيل:الرس بئر بأنطاكية، قتل أهلها حبيبا النجار وألقوه فيها..
واختار ابن جرير- رحمه الله- أن أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود، الذين ذكروا في سورة البروج.
وقد ذكر بعض المفسرين في شأنهم روايات، رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها ونكارتها.
واسم الإشارة في قوله- تعالى-:وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً يعود إلى عاد وثمود وأصحاب الرس، والقرون:جمع قرن.
والمراد به هنا:الجيل من الناس الذين اقترنوا في الوجود في زمان واحد من الأزمنة.
أى:وأهلكنا قرونا كثيرة بين قوم عاد وثمود وأصحاب الرس. لأن تلك القرون سارت على شاكلة أمثالهم من الكافرين والفاسقين.